يشهد العالم ثورة تقنية هائلة يقودها الذكاء الاصطناعي، ولم يُستثن من ذلك قطاع التعليم، حيث باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي تُقدم إمكانيات هائلة لتطوير أساليب التعلم وتحسين مخرجاته.
و في هذا السياق، اصبحت بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية تلجأ إلى فكرة رفض برامج الذكاء الاصطناعي ومنع الطلاب من استخدامها تفاديا للغش.
إنّ هذا النهج، وإن كان يبدو منطقيًا للوهلة الأولى، يتجاهل حقيقة أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، وأنّه من المستحيل تجاهل تطوره المتسارع. فبدلًا من محاربة هذه التكنولوجيا، يجب تبني مقاربة واقعية و معتدلة من خلالها يتم استغلال الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي و مفيد لتعزيز العملية التعليمية.
ان جامعة هارفارد الأميركية على سبيل المثال تدرك هذه الحقيقة جيدًا، فبدلًا من رفض الذكاء الاصطناعي قررت اطلاق برنامج خاص بها لتعليم طلاب الجامعة كيف يتعلمون بالربوتات، و لعل هذه التجربة النوعية و الثورية ستلهم العديد من الجامعات الاخرى عبر العالم ان قررت الانخراط الواعي في اوراش التعليم المعزز بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عوض الاكتفاء بتقديم المعلومات الجاهزة للطلاب.
إنّ هذا النهج الابتكاري و الاستباقي و التقدمي يُمثل خطوة عظيمة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل إيجابي، حيث يُمكن لهذه التكنولوجيا أن تُقدم العديد من الفوائد للطلاب والمدرسين على حدٍ سواء.
و هكذا فان فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر :
- التعلم المُتخصص: يُمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الطلاب وتحديد نقاط قوتهم وضعفهم، وبناءً على ذلك، يُمكنه تصميم خطط تعليمية دقيقة و مُتخصصة تلبي احتياجات كل طالب على حدة.
- التعلم الذاتي: يُمكن للذكاء الاصطناعي توفير أدوات تعليمية تفاعلية تُمكن الطلاب من التعلم بشكل مستقل و بايقاعات مختلفة.
- التقييم الفوري: يُمكن للذكاء الاصطناعي تقييم أداء الطلاب بشكل فوري وتقديم ملاحظات و توجيهات مُفيدة لهم لمساعدتهم على تحسين مستواهم.
- توفير الوقت للمدرسين : يُمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من المهام الإدارية، مثل تصحيح الأوراق في ثوان معدودة بدل ساعات و ايام طويلة وكتابة التقارير، مما يُتيح للمدرسين المزيد من الوقت للتفاعل مع الطلاب وتقديم الدعم لهم.
- إتاحة التعليم للجميع: يُمكن للذكاء الاصطناعي توفير فرص تعليمية عالية الجودة للطلاب في المناطق النائية مثل البوادي و المناطق الجبلية و الاقاليم ذات التضاريس الوعرة أو الذين يعانون من صعوبات في التعلم.
و بالتوازي مع هذه الامتيازات العظيمة التي يوفرها دمج الذكاء الاصطناعي في عملية التعليم هناك مخاوف بخصوص استخدامه في العالم الاكاديمي،و من بينها يمكن ان نذكر ما يلي :
- التشجيع على الغش: يُمكن للطلاب استخدام برامج الذكاء الاصطناعي للغش في الاختبارات والواجبات المدرسية و بذلك تهيمن الحلول الفورية و السهلة على المجهود الحقيقي المصاحب بالتريث و التمهل و الصبر على القراءة و تمحيص المعلومات و اكتساب المعارف.
- التحيز: قد تكون برامج الذكاء الاصطناعي متحيزة، مما قد يُؤدي إلى تقييم غير عادل للطلاب ينبني في جانب منه على دكتاتورية الخوارزميات.
- فقدان الوظائف: قد تُؤدي برامج الذكاء الاصطناعي على المدى المتوسط او البعيد إلى فقدان عدد لا يستهان به من وظائف المدرسين الذين سيتم تعويض البعض او الكثير من مهامهم بربوتات قادرة على انجاز نفس المهام، و لكن بطريقة اكثر سرعة و فعالية.
و بالتالي فان ما يجب الشروع فيه لتجنب مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يتلخص في النقاط التالية :
- وضع قواعد صارمة لمنع الغش: يجب على الجامعات والمؤسسات التعليمية وضع قواعد صارمة لمنع الطلاب من استخدام برامج الذكاء الاصطناعي بطرق يهيمن عليها الاحتيال و الغش.
- ضمان عدم تحيز برامج الذكاء الاصطناعي: يجب على مطوري برامج الذكاء الاصطناعي التأكد من عدم تحيز برامجهم و جعلها قادرة على تقييم الطلاب بشكل عادل.
- إعادة تأهيل المدرسين: يجب على المدرسين إعادة تأهيل أنفسهم لمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه بشكل إيجابي في العملية التعليمية،و ذلك عن طريق التدريب الذاتي على دمج ادوات الربوتيك في عمليتي التعليم و التعلم.
إنّ الحديث عن موضوعنا لا يمكن ان يستوفى في مقال من هذا الحجم، انه نقاش يطول و يستفيض، و من المؤكد اننا سنعود الى بعض نقاطه و نفصلها بعناية في مناسبات قادمة. ان الذكاء الاصطناعي يُمثل أداة ثورية يُمكنها إحداث تحول هائل في قطاع التعليم. وبينما تُوجد بعض المخاوف بشأن استخدامه، إلا أنّ فوائده المحتملة هائلة و تكاد لا تحصى. وبدلًا من الرفض الاعمى لهذه التكنولوجيا، يجب علينا استغلالها بشكل إيجابي لتعزيز عملية اكتساب المعارف في عصر الثورة الصناعية الرابعة و ما بعدها، و لاجل توفير ما امكن من الفرص التدريبية الفضلى لاكبر عدد من المتعلمين.
و لعل جامعة هارفارد التي تمت الاشارة اليها في مستهل مقالنا تُقدم نموذجًا يُحتذى به في كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل إيجابي. وبينما لا تزال هذه التكنولوجيا في مراحلها الأولى من التطوير، إلا أنّها تُقدم إمكانيات هائلة لتعزيز العملية التعليمية وتحسين مخرجاتها.
و من المؤكد انه في المستقبل سنتوقع أن نرى المزيد من الجامعات والمؤسسات التعليمية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير تجارب تعليمية مُتخصصة وجذابة للطلاب. ونعتقد اعتقادا جازما، في هذا السياق، أنّ الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة فكرية نوعية و تحقيق تعليم اشمل و أفضل للجميع.
*كاتب، استاذ باحث، خبير الرقمنة و الذكاء الاصطناعي
المعهد العالي للاعلام و الاتصال، الرباط.