كيف نفسر الاستخدام المتزايد والإقبال الهائل على مختلف منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة و خاصة منذ الأزمة الصحية العالمية المرتبطة بال كورونا؟ أصبح هناك كم كبير من المنشورات و التدوينات التي يتم مشاركتها عبر التطبيقات المختلفة و تقنية المباشر و فيديوهات اليوتيوب و تزايد عدد هذه الرسائل بشكل لافت للنظر في الأعوام الأخيرة، فما تفسير ذلك ؟
ان الإقبال الكثيف على السوشيال ميديا ليس وليد الصدفة سواء على المستوى العالمي أو المحلي. يجب أن نرجع إلى الإحصائيات الدولية حول استخدام واستعمال المغاربة لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفيد آخر الأرقام أن المغاربة يتصدرون الرتبة الثالثة و الثلاثين على مستوى الاستهلاك العالمي، أما على صعيد الوطن العربي فإن المملكة الشريفة تحتل الرتبة الثالثة في زمن الاستخدام و الابحار على السوشيال ميديا.
ودائما وفق لغة الأرقام و الاحصائيات فإن المواطن المغربي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بما يقارب ثلاث ساعات ونصف يوميا.
ان هذا الاستخدام – كما لاحظنا جميعا – شهد ارتفاعا كبيرا في ظل جائحة كورونا نظرا لمجموعة من العوامل المتظافرة و المتشابكة، و من أبرزها الحجر الصحي المنزلي الذي أجبر فئات واسعة من المواطنين على لزوم بيوتهم، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي على هذا الأساس ذلك الفضاء السحري الذي يهرع اليه المغاربة للبحث عن المعلومات، و أيضا لقراءة الأخبار و لاقتفاء تطورات و تحورات الوباء العالمي ، و أيضا للبقاء على تواصل دائم مع الأسرة و الأصدقاء.
لقد حدث انقلاب خطير و مدهش في مفاهيم الشهرة و النجومية و المنفعة للافراد داخل مجتمعاتنا المعاصرة التي تخترقها من الرأس إلى القدم تكنولوجيات الديجيتال. لم يعد الانسان المهم و الوازن في المجتمع الأستاذ أو الطبيب او المهندس. لقد أصبح المؤثر الأول في المجتمع هو صانع المحتوى و مروجه على منصات اليوتيوب و السوشيال ميديا.
ضاعت قيمة العلم و الشهادات الجامعية التي لا تساوي إلا الحبر الذي كتبت به، و برز في واجهات التأثير و استقطاب الرأي العام و جني الملايين من مشاهدات المتابعين… برز جيل جديد من صناع المحتوى الرقمي.
هذه حقيقة لا هي بالمرة و لا هي بالحلوة… انها تخرج من رحم حضارة الديجتال الطاحنة الجرافة و القائمة على التسطيح و تبجيل التفاهة.
و في جانب آخر، انتزعت مواقع التواصل الاجتماعي – في الشهور الأولى لكورونا المتزامنة مع الحجر الصحي الشامل – الشهرة من الذين كانت تحصد أعمالهم، و فيديوهاتهم ملايين اللايكات و منحتها لأطياف أخرى من المجتمع، و نخص بالذكر المناضلين و الواقفين في الصفوف الأمامية لمجابهة الوباء، و هم الأطباء و الأساتذة ورجال الأمن وأعوان السلطة.
ان هذا التحول كان مؤقتا و دام لبضعة أسابيع. انه لم يستمر طويلاً. و حين انقضى الحجر في نهاية يونيو 2020، ودعنا ذلك التحول المبارك، و عادت حليمة الى عادتها القديمة !
و عودة إلى زمن الحجر الصحي (مارس – يونيو 2020 )، صارت هناك ثورة فكرية و معرفية احدثت زلزالا حقيقيا في السوشيال ميديا.
كلكم تذكرون بلا شك الدور التعليمي و التربوي المتعاظم لمواقع التواصل الاجتماعي زمن الحجر، حيث بات عدد كبير من المستخدمين ينشرون على صفحاتها على سبيل المثال مواقع الجامعات الكبرى التي فتحت الكورسات المجانية، الى جانب مواقع المنصات التدريبية و المؤسسات الإعلامية الرائدة على المستوى العالمي، و التي وفرت لمستخدميها كما هائلا من المحتويات الجامعية ذات القيمة المعرفية العالية.
ابان الحجر الصحي الذي لم يدم طويلا (100 يوم، و هذا رقم صغير مقارنة بوباء كورونا الذي تناهز مدته منذ بداية تفشيه في العالم ثلاثة أعوام، أي ما يتجاوز 1000 يوم)، ظهر بجلاء المعدن الطيب و الأصيل لشعبنا المغربي الحبيب الذي تقطر قلوب نسائه و رجاله تضامنا و حنانا و حبا للخير، و هنا يمكن أن نلاحظ أن التكنولوجيا الرقمية لعبت دورا مساعدا و تحفيزيا عظيما في بلورة هذه القيم و التذكير بها و حقنها من جديد في دماء المجتمع. لماذا؟ ببساطة لأن اعلام الديجتال يضمن الانتشار الهائل و الفوري و السريع للمعلومات و البيانات، بشكل لا يمكن مقارنته بتاتا بالاعلام التقليدي.
ان المشاركة الهائلة للبيانات على السوشيال ميديا مكسب حقيقي لديمقراطية المعرفة و تجسيد للحق في الولوج إلى المعلومة، لكن هذا الانفجار المعرفي ينتج أيضا، للأسف، عددا لا محدودا من الأخبار المضللة و الزائفة.
فكيف يمكن للمواطن العادي – الذي لم يتلقى تكوينا متخصصا في التربية الإعلامية الرقمية – أن يتحرى صحة الأخبار في ظل الانتشار السريع و المخيف لما يعرف حاليا بوباء المعلومات ؟
ثمة مجموعة من المهارات و التوصيات التي يجب بالنسبة لكل مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي أن يلتزم بها لمحاربة الشائعات و الأخبار المزيفة ، ولكن قبل التطرق إليها ينبغي الإشارة إلى الأسباب الكبرى التي تدفع بمستخدمي السوشيال ميديا إلى نشر الشائعات أو تقبلها.
و يمكن تلخيص هذه الأسباب في النقاط الأربعة التالية :
– أولا. لعب أدوار البطولة وانتزاع صفة السبق من الصحافي المحترف و لو على حساب المصداقية و النزاهة.
– ثانيا. بلبلة و تشويش الرأي العام و توجيهه بما يتوافق مع الأهواء الشخصية.
– ثالثا. الحفاظ على الوضع القائم لدى فئات من الشعب و تغذية عقولها بنظريات المظلومية و المؤامرة.
– رابعا. البحث عن الشهرة والتميز، و هما هدفان كان من الممكن بلوغهما عن طريق أفعال و تصرفات أخرى أكثر نضجا و مسؤولية.
أما بالنسبة لما يمكن فعله لوقف انتشار الاخبار الزائفة و المضللة على السوشيال ميديا، فهناك مجموعة من التوصيات نود أن نختم بها كلامنا، و هي كالتالي :
أولا / التمهل و التفكير، فمن المعلوم أنك إذا أردت مساعدة عائلتك أو أصدقائك أو اطلاعهم على آخر المستجدات فيجب طبعا أن تتأكد من مصداقية المعلومة.
ثانيا/ إذا كانت هناك شكوك حول معلومة ما فيجب التوقف بل يجب التحقق من المصدر. فلا يمكن اعتبار صديق صديقك أو صديق صديق صديقك مثلا مصدر موثوقا.
ثالثا / ينبغي نشر الأخبار المستقاة من المنصات الإعلامية المهنية ذات المصداقية العالية و المؤكدة و عدم نشر الشائعات و الأخبار الزائفة.
*( المادة الفكرية و المعرفية – الكتابة و التوضيب)