تقول الشاعرة مليكة العاصمي في شهادتها في مفتتح الكتاب الجديد للإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس الموسوم ب”ليكن هناك نور”: “على رأي الأستاذ محمد السرغيني: “ويكون تثمين أسمائه المتجددة”، الأستاذ عبد العزيز كوكاس، كاتب، روائي، شاعر، إعلامي وصفات أخرى حاصلة أو مأمولة. لكن الصحافة عشقه الكبير، قلّبها وغاص في أحشائها وقفز في دروبها، بدربة الإعلامي ورهافة المبدع وذاكرة الروائي وريشة اللاقط الملتقط لأنفاسها الخبيئة، فقد تلقى تعليمه الأول في زمن الأماجد والأمجاد، ليواصل رسالته، أو رسالة المثقف، إن كان ما يزال للمثقف رسالة في هذا الزمن التالف.. يا زمان الوصل.
لكن في المثقفين خير لن يزول أبدا، ففي تجلياته المختلفة وبالتفاتاته المتنوعة، يواصل عبد العزيز كوكاس رسالة المثقف ضمن من يعضّون على جمرة الثقافة والإعلام والإبداع والفن، مصرفا ذلك القلق المكين الذي يطبع المثقف في مساحات تواصلية متعددة، تؤكد حضوره الطافح بالعطاء الثر المنفتح على إبدالات كثيرة ممكنة.”
تعكس المقالات التي يتكون منها كتاب “ليكن هناك نور” الجزء الثالث من “أحلام غير منتهية الصلاحية” أسلوبا في الصحافة يجمع بين الفائدة والمتعة، يبغي التبليغ والتوصيل وظيفة أي كتابة صحافية، دون التفريط في الإمتاع والجمالية عبر استغلال الإمكانات الإبداعية التي تتيحها اللغة العربية، وبالتالي فهي لا يمكن أن تنسب لنفسها إحداث لغة خاصة في الصحافة خارج الحكم أو الأقوال المركزة لكتاب كبار اعتاد كوكاس أن يقدم بها مقالاته، من “البوح الممكن”، إلى “نبض القلب” و”ورود وأشواك” وب”القلم الجاف” و”علاش لا؟”… لأنها تقول بالموجز المختصر ما كان يود التعبير عنه بقوة.. إنها ليست كتابة لقيطة، بل هي سليلة كتابات صحافية باذخة، لرواد كبار من عبد الجبار السحيمي إلى محمد باهي.. كانت كتاباتهم الصحافية مرشد ودليل الكاتب كوكاس على درب الصحافة.
هذه الكتابات الصحافية تشكل مرآة تعكس مرحلة مهمة من تحول الصحافة الورقية بالمغرب مع بداية تراجع الصحافة الحزبية وظهور الصحافة الخاصة أو المستقلة التي أصبحت مؤثرة في تأطير الرأي العام، خاصة بعد دخول المعارضة مجال التسيير الحكومي، والذي خلق فراغا في الحقل السياسي بدا كما لو أن الصحافة المستقلة بدأت تملأه وتتحول تحت سلطة قدر أعمى إلى معارض شرس للسلطة وهو ما كلفها والمسؤولين عنها محنا، آثار بعضها لازالت حاضرة حتى اليوم.
يقول الشاعر صلاح الوديع في شهادته في هذا الكتاب: “الحديث عن الكتابة الصحفية للأستاذ عبد العزيز كوكاس يقودنا إلى الحديث عن نوعين من الممارسة الصحفية. عموما نجد توجهين رئيسيين. هناك الصحافة كمهنة ضمن المهن. أتحدث بالطبع عمن يمارسونها مع احترام قواعدها وأخلاقياتها. وهناك الكتابة التي تخرج من هذا التأطير المهني المحض لتنهل من مجالات متعددة أخرى: التفكير الاستراتيجي، العمق الثقافي، البعد الحضاري، الفعل التنويري، المساهمة في بناء الفكر النقدي. إذا أضفنا لكل ذلك حساسية المبدع نجد أسماء متعددة في فضائنا الصحافي الناطق باللغة العربية. تبدو لي في هذه المجموعة وجوه حفرت بصمتها بشكل بارز: مثلا الراحلان عبد الجبار السحيمي ومحمد العربي المساري، ثم عبد القادر الشاوي، محمد الأشعري… لنموذج هؤلاء ينتمي المسار المميز لعبد العزيز كوكاس.
وختاما جاء في شهادة للراحل محمد سبيلا حول كتابات الإعلامي والكاتب كوكاس ما يعكس بعد كتابة تبحث عن النور بدل أن تكتفي بلعن الظلام، يقول المفكر الراحل: “مهما تكن صلبا وصمودا فإن أسلوبا فاتنا أخاذا كهذا الذي يكتب به ومن خلاله الصديق عبد العزيز كوكاس، سيعصف بك وسيقذفك إلى عوالمه الطربة والضاربة في أعماق الخيال، تطرب للحزن وتحزن للطرب، تأخذك المفارقات الدلالية واللفظية الجميلة التي يتسقّطها عزيز ببراعة صائد الدلالات المحترف، وعندما يتمكن منك الأسلوب وتتراخى مقاوماتك.. تجد نفسك وأنت تستلذ هذه الأطياف وتستطيبها وكأن هواء خلابا يداعبك مثل نسمات فكرية عذبة، تهب عليك من كل فج فتسلم عقلك وذائقتك الأدبية لتستمرئ هذه الألاعيب الدلالية المتموجة والتي تدرجك إحداها في أنشوطة الأخرى طالبا المزيد من هذه الغوايات المتراقصة حولك، فكلما أذعن ذهنك استمرأ الغوص في ثنايا هذا الهواء الخلاب المنسوج من رغباتنا وأحلامنا وأمانينا ومآسينا”..
كتاب ليكن هناك نور صادر عن منشورات النورس يقع في 181 صفحة من الحجم المتوسط.