الدّارجة المغربية ليست عربيّة فصحى، بل هيّ، من وجهة نظرٍ تاريخية ولسانِيّة، مزيج حيّ من الأمازيغية والعربية الفصحى. إن أخذنا الوقت الكافي لسَبر أغوارِ ” الدّارجة” المغربية، سنجدُ فيها ألفاظاً وعبارات تشبه إلى حدّ كبير ألفاظاً وعباراتٍ في اللغة العربية الفصحى ك( كيفاش: كيف ذلك- من إمتا كان -” منذ متى كان”…
وسنجدُ فيها، ولا ريب، ألفاظاً أمازيغيةً أو عبارات أمازيغية مُترجمة ترجمة حرفيةً ك( جوج خبزات) وعبارة( انا مزاوك فيك) التي تستعمل للاستعطاف. إذْ إنّ الأمازيغ قديما كانوا يطبّقون قانونا يسمى ” أزواكْ/ Azwag في حقّ من ارتكب فعلاً شنيعاً يهدّد أمنَ القبيلة وسلامتها كالقتل العمد مثلا. ومعناه بالعربية التهجير أو النّفي /Excommunication-exclusion. و يسمّى المُهجّرُ ( امزواك / Excommunié). هذا الأخير يلجأ إلى قبيلة أخرى طلباً للصفح.
النظام الصوتي للدّارجة أمازيغي، أمّا نحوها وصرفها فتشترك فيهما العربية و الأمازيغية. وآية ذلك أنّ الضمائر الشخصية جرت عليها عمليّة”تليينٍ وتذويب”، من أجل استعمالها في قالب لغوي آخر خرج من رحم لغتين، وفدتِ الواحدة منهما على الأخرى فحدث تلاقحٌ بينهما.
انا:انا- نْتَا-نتيّا/ نتينا: أنت/ أنتِ- هو/ هيّ: هو- هي- نتوما : أنتم- حنا/ حنايا: نحن- هُمَا: همْ/هنّ.
الضّمائر الشخصية أصلها من العربية وبنيتها جرت عليها عمليّة ” تكييف”.
فالدارجة لا تتضمنُ صيغة المثنى كما في العربية، فالضمير ” نتوما” يحيل على ” أنتم و على- أنتما “. لذلك نستعمل في الدّارجة صيغةً مبتكرة للتعبير عن المثنى وهي ( جوج، فنقول:” جوج دراري- جوج بنات- جوج خبزات- جوج كيسان…) وهذا التعبير نجدهُ حاضرا بقوة في الأمازيغية. كما أنّ الدارجة لا تميّزُ بين ضمير الغائب للمذكر وضمير الغائب للمؤنث؛ فالضمير( هُمَا) للجنسين معاً. في حين أنّ الأمازيغية تميّز بينهما باستعمال ضميرين مختلفين: ( نِيتْنِي- نِيتْنْتِي/ Nitni- Nitenti)
ونجدُ في الدارجة المغربية ألفاظاً أصلها عربي لكنّ بنيتها الفونومولوجيّة تغيرت بفعل تأثير الأمازيغية ك ( جزّار: كزّار- اقعد: كعدْ- اجلس: كلسْ-) وغيرها كثير.
هناك أسماء الكثير من الصفات والمهن بنيت على منوالٍ أمازيغي وبمعجمٍ عربي ك( تشيّاخت- تعطّارت- تبقّالت- تمغربيت- تجزارتْ…)
ولا بدّ أن نشير إلى التأثير اللغوي الذي خلفه الاستعمار الفرنسي والاسباني على الأمازيغية والدّارجة على حدّ سواء. حيث نجد كلمات كثيرة ” ممزّغةٌ وممغربة” أضحتْ جزءاً من المعجم اللغوي للمغاربة. وكمثال على ذلك: ( رويضا/ rueda- جّانطة/ jante- llanta- كارّو/ cigarillo- تيري (الفلوس)/ Tirer – التّْشُوميرْ- شُومورْ/ chômeur – البرويطا/ brouette- نْمرَا/ numéro /nùmero-بارطما/appartement- كوزينة/ cocina
باطيما/ bâtiment- و غيرها كثيرٌ أيضا.
استمدتْ الدّارجة معجمها وبنيتها الصرفية والنحوية والتركيبيّة من مكوناتٍ لغويّة مختلفة، وتفرّعتْ منها لهجاتٌ أخرى، تتميّز كلّ واحدة منها بمقومات تركيبيّة وبخصائص معجميّة وفينومولوجيّةٍ فريدة. وهذا دليل على تطور الدّارجة المغربية وأنّ علاقة التأثير والتأثر بينها وبين الأمازيغية ما زالت قائمة.