تعيش قناة العيون الجهوية واحدة من أصعب مراحلها منذ تأسيسها، إذ تحولت إلى نموذج صارخ لأزمة بنيوية تعصف بالإعلام العمومي في الأقاليم الجنوبية.

غياب القيادة الإدارية منذ فترة طويلة خلق فراغاً مقلقاً أفرز حالة من الارتجال والفوضى، و فتح الباب أمام ممارسات غير مهنية تنخر المؤسسة من الداخل.
هذا الواقع لا يمكن اعتباره أزمة عابرة مرتبطة بأشخاص، بل هو انعكاس لاختلالات عميقة في طريقة تدبير هذا المرفق العمومي.
في ظل هذا الغياب الهيكلي، تفاقمت الصراعات الداخلية بين المسؤول المكلف بالتسيير و مديري مكتبي كلميم و الداخلة، حيث يدّعي كل طرف قربه من دوائر القرار العليا، في ممارسة تُفرغ العمل المؤسسي من محتواه المهني و تحوّل القناة إلى ساحة لتصفية الحسابات الشخصية.
الأسوأ أن هذه الصراعات خرجت إلى العلن، فأصبحت مادة يومية في وسائل الإعلام المحلية، وهو ما يسيء إلى صورة القناة و يفقدها ما تبقى من مصداقيتها أمام الجمهور
كما ساهم غياب الرقابة والمحاسبة في تفشي ظاهرة الموظفين الأشباح، حيث يزاول بعض العاملين مهامهم من خارج الأقاليم الجنوبية، بل وحتى من خارج المغرب، عبر تطبيقات المراسلة الفورية، في انتهاك صريح للقوانين المؤطرة للعمل العمومي.
هذا التسيب يجد تبريراً و دعماً من الولاءات القبلية و الحزبية، ما يعكس غياب أي معايير للكفاءة و المهنية في تسيير الموارد البشرية.
الأزمة لم تتوقف عند الجانب الإداري فقط، بل طالت الجانب التحريري، إذ يشتغل قسم الأخبار منذ سنة 2019 بلا قيادة حقيقية، ما جعل النشرات الإخبارية تعكس اجتهادات فردية و قرارات مرتجلة تفتقر إلى رؤية تحريرية واضحة.
و قد تُرجمت هذه الفوضى في سلسلة من الأخطاء المهنية و التقنية التي أحرجت القناة محلياً و وطنياً، كان آخرها الصراع العلني بين مقدمة الأخبار و رئيس النشرة، وهو مشهد اختزل حجم الارتباك الذي تعيشه المؤسسة و عمّق أزمة الثقة بينها و بين جمهورها.
إن استمرار هذا الوضع يهدد الدور الاستراتيجي الذي يفترض أن تلعبه القناة في الدفاع عن القضايا الوطنية و مواكبة الدينامية التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية.
كما يُضعف من صورة الإعلام العمومي المغربي في منطقة حساسة، تحتاج إلى خطاب إعلامي رصين و مهني يعكس جدية الدولة في التعاطي مع ملفاتها الكبرى.
إنقاذ قناة العيون لم يعد خياراً مؤجلاً، بل بات ضرورة ملحة لإعادة الاعتبار للإعلام العمومي برمته.
و يتطلب هذا الإنقاذ إرادة سياسية و إدارية حقيقية لإعادة هيكلة القناة وفق أسس الحكامة الجيدة، وتعيين كفاءات مهنية قادرة على ضبط الإيقاع الإداري و التحريري، مع وضع آليات صارمة للرقابة و المحاسبة تضمن القطع مع الولاءات الضيقة و تعزز مبدأ الشفافية و المسؤولية.
دون هذه الإجراءات الجادة، ستظل القناة رهينة الفوضى و الارتجال، و سيبقى الإعلام العمومي مهدداً بفقدان دوره في خدمة المصلحة الوطنية وصيانة ثقة الجمهور.















