قصتي ليست مع (التّنمر) كسلوكٍ، ولكن مع الكلمة نفسها
كثيراً ما قرأت كلمة” تنمّر/ التّنمر في كتابات بعض الأصدقاء الذين يستعملونها في مواضعِ الجدّ كما الهزلِ. كنتُ أتساءل: ما هذه الكلمة؟ كنت أعلم، من خلال السيّاق، أنّ المعنى الذي تُستعمل للتعبير عنهُ هو : إيذاء شخص ما ، نفسيّاً، عن طريق السّخرية منه. لكن استخدام هذه الكلمة للتعبير عن هذا المعنى كنت وما زلتُ أراه أمراً غريبا. ومن كثرة قراءتي لها، اتّضح لي أنّ الكلمة انتشرت طولاً وعرضاً وكَثرَ مُستخدمُوها. ما أعرفه عن ” تنمّر” أنّها مشتقة من ” تنمّر”. تنمّر الشخصُ، بمعنى أنّهُ ” أصبح كالنّمر / تشبّه بالنّمر، وتستعمل أيضا للدلالة على الغضب الشديد الذي يصاحبُهُ سلوك عنيف وسيّء.
التحرش ترجمة للكلمة الانجليزية(harassment) وبالفرنسية (harcèlement) وتشير إلى سلوك مُؤذٍ تجاه الآخر ذكراً كان أم أنثى يكون بالفعل أو بالقول أو بالإيحاء ويسبّب ضرراً جسديّاً أو نفسياً، وهو سلوك سمته الأساس التكرار؛ لذلك فهو يدخل في إطار” ظاهرة اجتماعية”.
وبناءً على ما سبق، لم أستخدم قطّ كلمة” تنمّر”. لأنّي أرى أنّ هناك كلماتٌ تناسب المقام أكثر وهي الأصحُّ مبنى ومعنى. وكما هو معلوم فكلمة “التحرّش”، تفيدُ كذلك معنى الإيذاء بالقول أو الفعل أو الإيحاء والسّخرية من إنسانٍ بسبب لونه أو عرقه أو معتقده او شكله. لكن هذه الكلمة ارتبطت ارتباطا وثيقاً في المخيال الجمعي بصفةٍ تلازمهَا لزوماً تامّاً وهي” الجنسي”، نظراً لاستفحال الظاهرة وكثرة النقاشات حولها وحضورها “بقوة” في المشهد الإعلامي في المنطقة المغاربية والشرق الأوسط كذلك. لذلك أصبحت كلمة” تحرّش” أحاديّة الدلالة. يكفي أنْ يقول شخص ما أو يكتب ” تحرش” ليضيف السّامع أو القارئ من تلقاء نفسه صفة ” جنسي”. من هذا المنطلق، يمكن القول إنّ هناك نوعا من التضليل” السيمنطيقي” تولّد بفعل هذا الترابط-الّرّبط-الخطير بين لفظينْ انتُزعتْ منهما كلّ المعاني سوى معنى واحد.
كما أنّ كلمة ” مضايقة ” (Intimidation) تفيد تقريبا نفس المعنى وتشير إلى كلّ فعل أو قول أو حتى صورة يكون الهدف منها ممارسة ضغط على الآخر وإصابة وترٍ نفسي حسّاس يولّد لدى” الضحيّة” احتقاراً للذاتِ قد يصل به حدّ الاكتئاب. وقد يحدث أنْ نضايق الآخر دون أن تكون لدينا نيّة إيذائِه. لذلك، يجب توخّي الحذر.
إذن، فالتحرّش أو المضايقة كلمتان تعبران خيرَ تعبير عن المعنى. حقيقٌ بنا أن نستعملهما عوض ” تنمّر” !
وهذا رأي شخصي لا ألزمُ به أحداً.