كان سي محمد يسهر على بناء عمارة..يعتمد على نفسه وعلى عائلته وأصدقائه المقربين دون طلب قرض من البنك..كان يدبر مشروعه بشفافية ووضوح..يأتي كل يوم إلى الورش..يراقب ويناقش التصاميم مع المهندس والعمال ويستمع إلى كل ما يبدو له أنه سيكون إضافة..هدفه هو أن يكون مشروعه/ عمارته في أبهى حلة..
رغم أن سي محمد مريض “سابق” بالسرطان، الذي لقبه بالمرض الجبان، ظل حريصا على التمتع بحياة طبيعية..متشبت بالحياة. يبحث عن العطاء أكثر من الأخذ..
الغريب أن أحد الأشخاص واسمه أيضا محمد، وهو متقاعد.. يحرص على أخذ كرسي بالمقهى المقابلة لورش عمارة سي محمد.. “يعصر” على تلك القهوة السوداء طيلة اليوم..بين الهاتف وحل الكلمات المسهمة، يضيع يومه في متابعة أشغال البناء أحيانا اكثر من صاحب العمارة..وفي كل مرة تتاح له الفرصة، يبدأ في انتقاد شيء يبدو له وحده سلبيا في عمارة سي محمد وهي في طور البناء..
بوجه “شاحب” وعينين “كاربتين” ، لا يملك إلا بذلة وحيدة كان قد اشتراها طيلة مسيرته المهنية، وكرافاطا لا يتعدى ثمنها 5 دراهم..
في 18 مارس 2022، أنهى سي محمد بناء عمارته..دعا عائلته وأصدقاءه القدامى والجدد لحضور حفل تدشين العمارة،
ورجال ونساء الصحافة للتغطية الإعلامية..
مر الحفل في شكل بهيج ومفرح، وكان فرصة لتجديد اللقاء وصلة الرحم بعد سنوات من الغياب..
إنطلق سي محمد في بيع شقق العمارة واسترجاع ما صرفه على البناء..
وإلى حد كتابة هذه السطور، مازال سي محمد يلبي طلبات شراء الشقق، بل إنه ذهب بعيدا في كرمه وأعلن عن منح بعض الشقق لمن يعجز عن الشراء من أبناء حيه.
حي سيدي البرنوصي
جزاه الله خيرا..
الغريب أن “العاصر” على القهوة السوداء مازال مصرا على انتقاد شكل العمارة..مرة على صباغتها..مرة على هندستها..
قريبا سيكمل سي محمد بيع جميع شقق العمارة في انتظار إطلاق مشروع عمارة أخرى..
وسيبقى “شاحب” الوجه ملتصقا فوق كرسي المقهى..ينتقد عن حقد وجهل وضغينة مجانية..
للأسف هذا هو حال بعض الناس لايقومون بأي شيء ويحبون أن يظل الآخرون مثلهم..بلا عمل بلا مبادرة وبلا هدف..
القصة تحيل على شخص لم يهضم بعد نجاح كتاب “سيدي البرنوصي ذاكرة مكان ووجدان”