تجاوزا سنتجنب الحديث عن الإرهاصات الأولى للتاريخ، اختراع السينما –في شقها التقني- قناعة منا بأن الأمر يحتاج مختصين وملمين بآلات التصوير والأشرطة وتاريخ الصورة المتحركة عموما ، ولكي لا نمرر مغالطات فادحة، لأن المسألة لا تتحمل اعتباطية السرد التاريخي ولا الانحياز إلى الناجين ممن رموا الفن السابع بالباطل .
لم تكن أعمال آل لوميير هي الأولى في مجال الصور المتحركة، ولم يكونوا استثناء إذا ما وضعناهم في سياقهم التاريخي نسبة إلى روح عصرهم، بل هم واكبوا تطورات كانت حاصلة قبلهم في جميع أرجاء العالم الغربي (نقصد هنا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية) لأن في “دول الجنوب “آنذاك لم تكن الصورة/التصوير من أولوياتنا ولا ضمن دائرة اهتماماتنا وهذا موضوع يطول الحديث فيه .
استفاد الأخوين لوميير من أعمال “إيتيان جول ماري” و “توماس أديسون ” خصوصا في ما يخص اختراعهم الذي سيشكل انعطافة حاسمة في تاريخ صناعة الصورة ، لأن لفظ سينما وتصنيف “الفن السابع” سيأتي لاحقا مع “إيتيان سوريو” .
مختبر آل لوميير :
خلال القرن التاسع عشر كان لويس لوميير يدير بمعية أبيه أنطوان وأخاه أوغست مصنعا لأدوات التصوير في ليون ، حيث استهل تجاربه منذ وصول (صناديق المنظار المتحرك – le Kinétographe) من الولايات المتحدة إلى فرنسا سنة 1894 ، فاستطاع الوصول إلى (الصورة الزمنية) وتحريكها عبر (الأسطوانة اللامحورية) التي اخترعها “هورنبلور” وبذلك صنع فيلما بكرا مصنوعا في ليون وهو بحجم أفلام آديسون ذات 35 مم .
هكذا استطاع الأخويين لوميير سنة 1895 صناعة أول جهاز أسمياه (السينماتوغراف Cinématographe ) والذي اشتقت منه كلمة “سينما” ، والسينماتوغراف جهاز يجمع بين الغرفة السوداء والمنوار والصور الإيجابية أو بتعبير آخر هو جهاز يجمع بين التصوير والعرض في الآن ذاته
إذا فقد خطى تاريخ الصورة خطوته الحاسمة مع الأخوين لوميير ، حيث انتقلنا من كينيتوغراف/كينيتوسكوب (Kinétoscope- le Kinétographe) آديسون إلى سينيماتوغراف(Cinématographe) لوميير ثم بعد ذلك سيأتي العمل الجبار الذي قام به لويس لوميير عبر تدريبه لعدد من المصورين الذين سينشرون نبوءته-اختراعه في جميع أنحاء العالم معرفين الناس على السينماتوغراف وقدراته “السحرية” ، ففي الأواخر من سنة 1897 خرجت “السينما” من المختبرات واتجهت لقاعات العرض المظلمة حيث استقبلها الناس بلهفة ودهشة صامتين .
في المقهى الكبير :
عرض الأخوين لوميير في 28 ديسمبر 1895 أول فيلم لهم بالسينيماغراف في الصالون الهندي بالمقهى الكبير بباريس بشارع الكابوسيين ( le Salon Indien du Grand Café de Paris) ، وتعد هذه التجربة أول عرض لاكتشاف الأخوين لوميير في فضاء مفتوح وبمشاهدة مؤدى عنها ما مقداره فرنك فرنسي تقريبا .
صور الأخوين لوميير فيلمهما الأول بطريقة تلقائية في مدة لا تتجاوز خمس وأربعون ثانية ، وأطلقا عليه اسم “خروج العمال من مصنع لوميير ب ليون – La Sortie de l’usine Lumière à Lyon
ملاحظة :
• كلمة السينماتوغراف- Cinématographe ذات أصل إيتيمولوجي يوناني ، إذ تعني : κίνημα / kínēma حركة و γράφειν / gráphein يكتب ، فالترجمة الحرفية للكلمة هي الكتابة بالحركة.
وعليه يتوجب الحذر من الوقوع في الخلط الشائع الذي يعد السينما هي السينيماتوغراف ويخلط بينها وبين السينيماتوغرافي ، ويجب أيضا الانتباه إلى أن بعض المؤرخين يعتبرون بأن أول كاميرا هي السينيماتوغراف في حين أن هذه الأخيرة تستدمج بين التصوير والعرض ، وبالأحرى يجب قول تاريخ الكينيتوغراف لأنها أول كاميرا وتقابلها الكينيتوسكوب آلة العرض وهما من إبداع توماس أديسون.
• رابط الفيلم بنسخه الثلاث https://www.youtube.com/watch?v=J1EdyZtkGXo