وحيدا دون رفقة، انطلق بزورقه الشراعي بحثا عن مجد بين أمواج البحر. ياسين الدرقاوي، شاب من طنجة عشق الرياضات البحرية، فجاب بحار العالم بحثا عن أرقام قياسية.
قبل عقد من الزمن، قادته الأقدار إلى جنوب شرق آسيا، حيث استقر هناك وازداد ولعه بالبحر وعوالمه، حتى صار الماء جزءا من شخصيته، استمد منه القوة والعزيمة على تحقيق المستحيل، إذ بالإصرار والتكرار تفتت أمواج البحر الصخر القاسي، وبالتدريب والإرادة، ينال ياسين الدرقاوي مراده.
خلال السنوات الخمس الماضية، حقق ياسين رقمين قياسيين لأطول رحلة بحرية بزورق شراعي من نوع “لازير”، في رحلة بحرية وحيدا ودون مساندة ، صارع فيها مياه البحر بجنوب شرق آسيا، لكن تم كسر الرقم القياسي لاحقا.
ويقول ياسين إن هذه المغامرة، التي انطلقت صباح أمس الأربعاء بعد أسابيع من الاستعداد النفسي والبدني، تروم استعادة رقمه القياسي في الإبحار وحيدا لأطول مسافة ومدة على متن زورق “لازير” ودون أي مساعدة، موضحا أن الرحلة المبرمجة تصل بين شاطئ الدالية بمضيق جبل طارق والوليدية جنوب الجديدة على مسافة لا تقل عن 520 كيلومترا.
وتابع، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء قبل انطلاقه حوالي الساعة ال 11 من صباح الأربعاء، إذا ما بقيت لي الطاقة والقدرة على التحمل، لأن الرحلة ستتطلب مني 3 أيام دون نوم وبتركيز كبير، قد أواصل الطريق إلى غاية مدينة أكادير، مقرا بأن “النتيجة غير مضمونة وإن كنت عازما على تحقيق هذا الإنجاز”.
لكن رياح المحيط الأطلسي لم تسر بما يشتهيه زورق ياسين الدرقاوي، بعد أزيد من 14 ساعة من الإبحار، قطع خلالها مضيق جبل طارق، ثم إلتف حول منارة “كاب سبارطيل” ليدخل إلى المحيط الأطلسي، واجهته رياح عاتية في عرض سواحل مدينة أصيلة.
في اتصال هاتفي، اليوم الخميس مع وكالة المغرب العربي للأنباء، قال إنه بقي لساعات يصارع الرياح جنوب مدينة أصيلة، قبل أن تنال منه في لحظة قل فيها تركيزه، ثم انقلب القارب. كابد ياسين ساعات للرجوع إلى قاربه بما يتطلب ذلك من جهد وطاقة.
وأضاف “لقد طبعت الحبال جروحا غائرة في يدي وأنا أحاول السيطرة على الزورق الذي تدفعه رياح لم يكن هبوبها متوقعا في تلك اللحظة”، موضحا “لقد نالت مني الرياح، ثم بعد ذلك البرد بعدما ابتلت ملابسي، وفقدت الكثير من الطاقة وأنا أحاول استرجاع القارب”.
بعد تمكنه من السيطرة على الزورق، عاد إلى ميناء أصيلة على أمل إعادة المغامرة بعد حوالي شهر، مبرزا بكثير من العزم “سأستعيد رقمي القياسي، سأعيد المحاولة بعد شهر، وسأنطلق من طنجة أيضا”.
عشق البحر تشربه ياسين الدرقاوي منذ الصغر حتى صار يسري في دمه وجزء من جيناته، إذ تعلمه على يد والده الذي كان قبطانا بحريا.
بعد استقراره بجزيرة “بوكيت” بتايلاند، و قبل 5 سنوات حقق رقمه القياسي الأول حيث أبحر وحيدا لثلاثة أيام على متن زورق “لازير” دون توقف ولأطول مسافة ممكنة ببحر أندامان خلال الفصل المطير، بينما سجل رقمه القياسي الثاني سنة 2019 بعد قطعه لأطول مسافة ممكنة خلال 30 ساعة إبحار في منطقة عالية المخاطر بخليج “تايلاند”.
واعتبر أن هذا النوع من المغامرات يتطلب استعدادا نفسيا وبدنيا كبيرا لكون البحار يقضي وقتا طويلا وحيدا وسط الماء، دون أية مساعدة خارجية، يحمل معه قوته وماء شربه، ويواجه الرياح والأمواج والمراكب العابرة، وخصوصا الهواجس النفسية أيضا.
وأوضح أن التدريبات ترتكز على تقوية الاستعداد البدني، والتركيز، وضبط إيقاعات التنفس، والرؤية، وأيضا التحكم في الرغبة في النوم خلال الإبحار لتفادي مخاطر الاصطدام بالمراكب أو السقوط في شباك الصيد، إلى جانب ضبط النفس في حالة وقوع حادث.
وخلص ياسين الدرقاوي إلى أن رغبته في استعادة رقمه القياسي تروم تحسيس المغاربة بأهمية الرياضات البحرية وإذكاء روح التنافس، وحثهم على العمل لتحويل أحلامهم إلى واقع.