تعيش أروقة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ولاسيما المديرية التقنية، حالة احتقان غير مسبوقة، بعد صدور سلسلة من القرارات الإدارية التي وُصفت بالتعسفية والعشوائية.
فقد فُرض على عدد من العاملين نظامُ عمل يمتد على مدار أربعٍ وعشرين ساعة متواصلة، رغم الخصاص الكبير في الموارد البشرية، إذ لا يتجاوز عدد المستخدمين في بعض المصالح خمسة أشخاص فقط.
هذا الوضع المرهق دفع العديد من الأطر والتقنيين إلى تقديم طلبات انتقال جماعي، تعبيرًا عن رفضهم لسياسات يعتبرونها “لاشعبية” و“غير مسؤولة”.
كما اختار بعض المسؤولين تقديم طلبات إعفاء من مهامهم احتجاجًا على قرارات يصفونها بغير القابلة للتنفيذ ميدانيًا في ظل هذا النقص الحاد في الكفاءات البشرية.
يرى العاملون أن الأزمة تعود أساسًا إلى سوء تدبير ملف الموارد البشرية داخل الشركة، حيث تمت المصادقة على انتقالات عدد من المستخدمين نحو مصالح أخرى دون تقييم تأثيرها على سير العمل بالمصالح التقنية. ونتيجة لذلك، أُجبر من تبقى على تحمل ضغط يومي يفوق طاقتهم، تحت ذريعة “ضمان استمرارية المرفق العمومي”.
إلى جانب الإرهاق المهني، يشتكي العاملون من تأخر صرف مستحقات العمل الليلي وأيام الأعياد من طرف مديرية الموارد البشرية، مما زاد من حالة التذمر، وأدى إلى تراجع المردودية وتهديد التوازن النفسي والصحي للعديد منهم، في ظل غياب رؤية واضحة لتصحيح هذا الوضع المختل.
هذه الاحتقانات المتراكمة تكشف، بحسب مهنيين، عن فشل المنظومة التدبيرية داخل قطاع الإعلام العمومي، الذي يُعد من أكثر القطاعات حساسية في الدولة.
فرغم موجات الإصلاح الهيكلي التي عرفتها قطاعات أخرى، ظل الإعلام العمومي رهينًا للجمود وتناوب نفس الوجوه على مواقع القرار، دون أي تجديد في الفكر أو الرؤية.
النقابة الأكثر تمثيلية داخل الشركة حذّرت من تفاقم الأزمة واحتدام الاحتقان، محمّلة الإدارة المركزية مسؤولية ما قد يترتب عن هذه القرارات المرتجلة من شلل محتمل داخل المصالح التقنية الحيوية، التي تُعد العمود الفقري للبث الإذاعي والتلفزي العمومي.
وأكدت النقابة أن “الإصرار على تنزيل قرارات غير واقعية، دون مراعاة الإمكانيات البشرية واللوجستية، سيؤدي لا محالة إلى تفجير الوضع الداخلي وتعميق أزمة الثقة بين الإدارة والعاملين”.
في ضوء هذا المشهد المتوتر، يلوح في الأفق مسارٌ مظلم للإعلام العمومي المغربي، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة ومسؤولة لإعادة توجيه دفة القطاع نحو إصلاح حقيقي يضمن الحكامة الجيدة ويصون حقوق العاملين.















