* عبد العزيز الطريبق
(كاتب وإعلامي ومعتقل سياسي سابق)
صدر مقال يوم 11 فبراير 2024 في موقع “بناصا” الإلكتروني، معنون ب “سرقة علمية فاضحة لأستاذ بجامعة تطوان… استولى على دروس الأستاذ الطريبق وضمها إلى أطروحة بعنوان “السياسة الاستعمارية الإسبانية وعلاقتها بالصحافة 1912-1956″…، وشكل مناسبة بالنسبة لي لمراجعة نسخة “أطروحة” أنس اليملاحي المؤرخة بتاريخ 17-2016 ، وعاينت كيف أن أبسط إطلالة عليها تظهر للعيان، وبدون حاجة لخبير ولا برنامج مختص في اكتشاف “السرقات العلمية”، حجم النقل وليس حتى الاقتباس الذي مارسه أنس اليملاحي على مجموعة من الدروس سبق لي أن أرسلتها عبر البريد الإلكتروني لطلبتي بالمعهد العالي للترجمة -فهد- بطنجة (ومنهم الطالب أنس اليملاحي آنذاك)، في إطار المادة التي كنت أدرسها هناك في بداية العشرية الثانية من هذا القرن، والمتعلقة بتاريخ وسائل الإعلام. وهذه الدروس عبارة عن فصول ترجمتها من بحثي بالفرنسية لنيل دبلوم الدراسات العليا في الصحافة (1998) والذي استخرجت منه كتابا، بالفرنسية”، سنة 2017، وزع في جل أنحاء المغرب (Presse et politique au nord du Maroc de 1912 à1956)…
المقال المنشور حلل بدقة ما وقع من سرقة علمية من خلال عملية “كوبي-كولي” لحوالي 80 صفحة من دروسي، شكل منها الناقل أنس اليملاحي الفصل الثالث والرئيسي من بحثه، وطبعا لم يذكر بالمرة اسمي من بين المراجع. وبعد علم أنس اليملاحي بالموضوع، لأن المقال راج بمدينة تطوان بالنظر لكون أنس اليملاحي أصبح “شخصية عمومية” (نائب رئيس جماعة تطوان عن الاتحاد الاشتراكي وعضو قيادي محلي ووطني، إضافة لمنصبه كأستاذ جامعي حصل عليه بدكتوراة ثلثها على الأقل مسروق)، بعد هذا اتصل بي أنس اليملاحي عبر الهاتف والواتساب والفايس بوك (لأنني أوجد خارج المغرب منذ مدة لأسباب عائلية)، ومنها اتصال صوتي “يشيد” بي ويطلب مني الوقوف معه في “وجه الحملة التي تطاله” من أناس “بخلفيات سياسية”. طبعا رفضت الدخول معه في أي اتصال لأنني كنت أنتظر منه الاعتذار للمجتمع عن فعله الشنيع في حق الجامعة والتعليم بالبلد، فالأمر يتعلق بدكتوراة وليس بشهادة ابتدائية قد لا نتشدد فيها مع طفل صغير…
بعد ذلك وفي انتظار عودتي للمغرب، وتحديد الإجراءات التي سأقوم بها في مواجهة هذه السرقة، نشرت توضيحا مقتضبا في بعض المواقع الإلكترونية أؤكد فيه فعل السرقة العلمية، فخرج أنس اليملاحي برد يعادل في صفاقته فعل “السرقة” ولا داعي هنا للدخول في تفاصيله، اللهم من إنكاره لكوني زودت طلبتي بهذه الدروس رغم الحجة القاطعة المتمثلة في بريده الإلكتروني الخاص وفي البريد الإلكتروني الجماعي لطلبة القسم.
قمت بمكاتبة عميد الكلية مصطفى الغاشي، عبر الميسينجر بالفايس، لإخباره بالموضوع وسلمته دروسي وحججي، بينما طلب مني بعض الإيضاحات في مجرى المحادثة بيننا. ولم يخبرني العميد البتة وفي أية لحظة بوجود نسخة أخرى مخالفة لتلك التي تناولها المقال، لا أقصر ولا أطول منها… لو فعل لكنا، ربما، قد ربحنا الكثير من الوقت.
حينها علمت بتشكيل رئاسة الجامعة للجنة تحقيق في الموضوع وهو أمر سرني كثيرا لأنني اعتبرته طريقا لاكتشاف السرقة من خلال المقارنة بين دروسي و”أطروحة” أنس اليملاحي. فكاتبت رئاسة الجامعة في شكاية رسمية وبعثت كل مستنداتي، بتاريخ فاتح مارس 2024، عبر البريد الإلكتروني. وتلقيت جوابا رسميا من رئاسة الجامعة يوم 6 مارس لإخباري بأنه تم تشكيل لجنة تحقيق منذ يوم 19 فبراير تفاعلا مع مقال موقع “بناصا” (بتاريخ 11 فبراير 2024) ولدعوتي لتحديد موعد للاجتماع باللجنة. وبما أنني أوجد خارج المغرب فلقد اتفقت مع مكونات اللجنة على أن يكون اللقاء بتقنية الفيديو، وهو ما تم يوم الجمعة 15 مارس 2024.
اللقاء مع اللجنة مر في جو جيد شرحت خلاله موقفي وأبلغتني اللجنة بما توصلت إليه من خلاصات. وكانت أهم خلاصة أبلغوني بها هو أنهم يتعاملون مع “النسخة الرسمية” المسلمة لهم من طرف العميد والمؤرخة بتاريخ المناقشة، أي الموسم الجامعي 19-2018، عكس النسخة الإلكترونية التي زودتهم بها ويعود تاريخها ل17-2016. شرح لهم العميد بأن نسختي (المتكونة من 337 صفحة) تم رفضها، بتقرير لثلاثة أساتذة مشرفين، وتعديلها إلى أن نوقشت وتم قبولها بتاريخ 19-2018 وقد تم تخفيض عدد صفحاتها إلى 208 عوض 337. أخبرتني اللجنة (ومن ضمنها عضو اطلع على بحثي الأصلي وكتابي المستخلص منه) بأنه بمعاينة أولية يبدو أن مستوى النقل لن يتجاوز 20% وهي نسبة مقبولة. كما أن اللجنة تنوي إرسال دروسي و”أطروحة” أنس اليملاحي لجهة مختصة في تحديد مستويات النقل كي تحسم بدقة في الموضوع.
في الحقيقة كان بإمكاني ان أصدم بعض الشيء رغم ان اللجنة قدمت لي كل ضمانات الحياد، وذلك لأن السيد العميد أخرج “نسخة” لم يسبق لي الاطلاع عليها ولم أعلم بوجودها ولا بتسليمها للمقربين من “الناقل” (فالنسخة التي حصلت عليها جاءتني، بشكل عرضي، من أحد المقربين لأ. اليملاحي صيف سنة 2024).
لكن، لحسن الحظ، كان للصحافة رأيا آخرا. فبعد صدور مقال موقع “بناصا”، اتصل بي بعض الصحافيين للاستفسار، ومنهم من ذهب بعيدا في تحقيقه كالزميل ربيع الرايس، مدير نشر موقع “تمودة24” الصادر من تطوان. الزميل الرايس أخذ على نفسه في إطار عمله المهني أن يتصل بجميع الأطراف المعنية بالأمر وأن ينظر في موضوع هذه الأطروحة عن قرب لأن التاريخ الموجود في “نسختي” ليس هو تاريخ المناقشة. فكان أن توجه لمكتبة الكلية لمعاينة النسخة الرسمية الموجودة هناك كمدخل لاستمرار تحقيقه مع كل الأطراف. هناك وجد نسخة رسمية من الأطروحة مسجلة في سجل المكتبة المرقون تحت رقم 63 وبتاريخ المناقشة، أي 19-2018، هذه النسخة تتضمن حوالي 380 صفحة، فواجهني بها ليتبين لي أن الفصل الثالث هو نفسه الموجود في النسخة التي بحوزتي، وكل ما هنالك هو بعض الإضافات التي لا تمس الجانب الذي نقل عني، بل أضاف له أنس اليملاحي لائحة بتواريخ الجرائد الوطنية لتلك الفترة لا توجد سوى في بحثي، لأنه لم يسبق لأحد أن ضبطها بذلك الشكل (وقد أغفل طبعا الإشارة لبحثي كمرجع).
فما كان علي سوى أن أخبرت اللجنة بالأمر وزودتها بالحجج المصورة التي بحوزتي، كما طالبت بنسخة من “أطروحة” العميد كي أقارنها بنفسي مع دروسي، على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها. واعدني أعضاء اللجنة، حينها، بالذهاب لمكتبة الكلية قصد معاينة ما بها، بل أعلنوا رغبتهم، بحثا عن الحقيقة، في الاطلاع على النسخة الرسمية التي أرسلتها الكلية، بالضرورة، للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني.
بعد ذلك صدر مقال للصحفي ربيع الرايس، بتاريخ 18 مارس 2024، عن عودته لمكتبة الكلية من جديد، يوضح كيف وجد نسختين من نفس الأطروحة، إحداهما تحمل رقم 66 وغير مسجلة في سجل المكتبة، (بل وجد سجلا آخر بخط اليد يتضمن أطروحة أخرى تحمل نفس الرقم 66 ويشرف عليها العميد مصطفى الغاشي) وبتاريخ 17-2016 وعدد صفحاتها حوالي 337 وتحمل في جنباتها كتابة يدوية ببعض الملاحظات. ثم وجد النسخة المسجلة في سجل المكتبة المرقون تحت رقم 63، ولاحظ، في مقاله، أن النسخة القديمة تحمل رقما لاحقا على رقم النسخة الجديدة. كما لاحظ بأن المضمون هو نفسه بين النسختين…
أخبرت اللجنة طبعا بهذه المستجدات وانتظرت لمدة قصيرة نسبيا، ب”التوقيت الإداري” لدينا، إلى أن جاءني رد اللجنة بتاريخ 4 أبريل 2024. تقرير اللجنة المرسل إلي يظهر بأن اللجنة أوفت بوعدها في معاينة النسخة الموجودة بمكتبة الكلية وكذلك بمعاينة النسخة الموجودة لدى المركز الوطني للبحث العلمي والتقني. بل وسعت بحثها ليشمل النسخة التي تقدم بها أنس اليملاحي في المنصة الخاصة بطلب الشغل.
فماذا كانت خلاصة اللجنة؟ أعلنت اللجنة أن الأطروحة “تنوعت كما وكيفا (من حيث عدد الصفحات والمحتوى). فبالإضافة للنسخة المسلمة للجنة من طرف العميد يوم 19/02/2024 ، والمتكونة من 208 صفحة بتاريخ الموسم الجامعي 19-2018، هناك أجزاء من النسخة التي أرسلتها شخصيا للجنة وبها 337 صفحة عن الموسم 17-2016، والنسخة المحملة من منصة التوظيف الخاصة بأنس اليملاحي والمتكونة من 336 صفحة بتاريخ الموسم 17-2016، والنسخة الحاملة للرقم 66 بمكتبة الكلية والمسلمة من طرف محافظ المكتبة وهي عن موسم 17-2016 وبها 339 صفحة، ثم النسخة الحاملة للرقم 63 بمكتبة الكلية والمسلمة من طرف محافظ المكتبة وهي عن موسم 19-2018 وبها 386 صفحة، والنسخة الموضوعة في المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (ِCNRST)، وهي عن موسم 19-2018 وبها 386 صفحة.
وعليه، يقول تقرير اللجنة، “تعذر على اللجنة التوصل إلى استنتاجات واضحة فيما يخص نسبة التطابق فقد أرسلت رئاسة الجامعة رسالة استفسارية إلى إدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والأستاذ المعني بالأمر في موضوع النسخ”…
لا اشك في حياد اللجنة، لأن اللجنة أوفت بوعدها في البحث خارج الإطار الذي حدده عميد كلية الآداب “ونسخته” الفريدة من نوعها، ولا في موقف رئاسة الجامعة لأنها فتحت تحقيقا في الموضوع بشكل تلقائي وقبل شكايتي الرسمية. لكنني أتساءل، هل هناك نسخة أكثر رسمية من النسخة المسلمة من طرف إدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني بعد مناقشة الأطروحة والموافقة عليها؟ وهذه النسخة من 386 صفحة وهي مطابقة من حيث عدد الصفحات (على الأقل) للنسخة المسجلة بمكتبة الكلية تحت رقم 63 والمتضمنة لنفس الجزء المسروق، وهي بدروها رسمية لأن وصولها لمكتبة الكلية لا يتم سوى بعد مناقشتها وقبولها. لماذا لا يتم اعتماد نسخة المركز الوطني للبحث العلمي والتقني المعززة بنسخة المكتبة الحاملة لرقم 63؟ وما المنتظر من رد العميد أو أنس اليملاحي نفسه، فالنقل ثابت في نسختي 17/2016 و19/2018 الموجودتين بمكتبة الكلية؟ وحتى لو افترضنا جدلا تعديلا ما فإن النقل المفضوح ثابت في النسخة الأولى المرفوضة والمحاسبة عليه واجبة. إنها أطروحة دكتوراة يا سادة وليست عرضا من العروض !
ثم كيف لأنس اليملاحي أن يضع نسخة بتاريخ 17-2016 في ملف طلبه للشغل، علما بأن هذه النسخة تم رفضها من طرف الأساتذة المشرفين، كما أن مناقشة اليملاحي لأطروحته لم تتم سوى سنتين بعد هذا التاريخ؟ فماذا يعني أن تضع نسخة مرفوضة لدكتوراة مزيفة في ملف التشغيل؟
وفي النهاية، من أين خرجت “نسخة” العميد “المختصرة” والتي لا تحمل أي رقم تسلسلي ولا توجد في مكتبة الكلية ولا توجد لدى المركز الوطني للبحث العلمي والتقني ولا توجد في ملف منصة التوظيف الخاصة بأنس اليملاحي؟ وكيف يتم قبول دكتوراة من 208 صفحة فقط؟
كاتبت رئاسة الجامعة من جديد بالعديد من التساؤلات، وأنا في انتظار الجواب وكذا ما سيسفر عنه الاستفسار الموجه من طرفها للكلية، طبعا أملي هو أن يتم حل هذا المشكل الأكاديمي في إطار الجامعة وحرمتها، لكنني عازم على الوصول للحقيقة بكل الطرق المتاحة، فالمسألة لا تهم شخصي بل تهم قيمة التعليم الجامعي المغربي ومصداقية ما يكونه من أطر تشرف على إعداد أطر المستقبل. كما تهم هذه الدولة التي نستظل بظلها ونحرص على أن تسير إلى الأمام وأن تتخلص من كل أشكال الغش والتدليس الأكاديمي.
ألتمس ممن يهمه الأمر أن يفتح تحقيقا جديا في الموضوع، وخصوصا أن يضع حدا للتسيب الإداري في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان، غير القادرة على توفير نسخة واحدة لأطروحة واحدة. فحتى “المسيد” الحالي ربما أفضل تنظيما من هذه الكلية !