الرباط – «القدس العربي»: أعادت واقعة منع تلميذة من دخول مؤسسة تعليمية في مدينة الدار البيضاء جدلا قديما جديدا يتعلق باللباس المدرسي “اللائق” و”الوقور” و”المناسب” للولوج إلى المدارس والإعداديات والثانويات، أما الجامعات فمرفوع عنها قلم النقاش.
الواقعة التي كانت موضوع تدوينات عديدة لمغاربة التواصل الاجتماعي، استنكرت منع التلميذة من دخول فضاء المؤسسة التربوية، وبقيت لمدة تزيد عن 5 ساعات وهي محرومة من متابعة دراستها، وفق ما أفادت به والدتها في صورة وتدوينة نشرتها في إحدى المنصات.
الجدل لم يلامس لا من قريب ولا من بعيد مسألة الزي الموحد أو المناسب، بل سارت في درب آخر، وهو التّزمت والحجر على حرية الاختيار، وما إلى ذلك من كلام غليظ يتماشى مع مستلزمات الحداثة والحريات الشخصية، حتى لا نقول الفردية ويشط بنا المجال إلى نقاش آخر.
بالنسبة للمستنكرين، فلم يروا في لباس التلميذة الممنوعة ما يعيب وما يقتضي قرار إدارة المؤسسة التعليمية، حيث كانت ترتدي كسوة أنثوية تنزل إلى حد الركبة وفوقها سترة بيضاء من المستلزمات الأساسية لأي تلميذ أو تلميذة، أما في القدمين فقد قررت الطفلة أن تلبس “صندالة” صيفية حمراء دون أربطة ونوعا ما رياضية أو تخصص للمشاوير المنزلية وحتى للتجوال في شارع قريب.
وحسب ما أكدته الوالدة، فإن ابنتها حرمت من حضور دروسها في الرياضيات، الفرنسية والاجتماعيات، كما انها تعرضت تضيف الأم، لكل أنواع الاستهزاء والإهانة بسبب لباسها.
إدارة المؤسسة التعليمية اتخذت قرارها بمنع التلميذة من دخول المدرسة، بحجة أن لباسها غير مناسب، وهو التبرير الذي نال نصيبه الاوفر من انتقاد المغاربة.
كانت الواقعة مبعث تضامن رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع التلميذة، وفي تدويناتهم تمت دعوة المؤسسات التعليمية إلى التعامل مع التلاميذ بطريقة جيدة، كما شددت على ضرورة التركيز على المسار المدرسي وليس اللباس.
هي سلطة ليست تقديرية بالنسبة للمسؤولين على المؤسسات التعليمية في المغرب، بل تؤطرها مذكرة سابقة لوزارة التربية الوطنية، صدرت سنة 2017، بشأن اللباس المدرسي الموحد للتلميذات والتلاميذ.
تلك المذكرة المرجعية لهذا التوجه في توحيد الزي المدرسي، وجهت إلى كل مدراء الأكاديميات الجهوية للتربية التكوين، والمديرات والمديرين الإقليميين ومديرات ومديري المؤسسات التعليمية، وتطلب منهم العمل على اعتماد اللباس المدرسي الموحد بالنسبة للمتعلمين والمتعلمات بسلكي التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي.
اللباس الموحد في المغرب اقتصر على السترة فقط، أما ما دونها فيبقى قيد الاجتهاد بالنسبة للتلاميذ وأوليائهم، وهؤلاء منهم من يقبل بقرارات إدارة المؤسسة التربوية ومنهم من يرفضها ويواصل النقاش في هذا الباب ويلبي طلبات ورغبات ابنه أو ابنته.
هؤلاء المنتقدون لقرار إدارة المؤسسة المعنية بمنع التلميذة من الولوج إلى فضائها، بعضهم نوه في السابق حين بداية الموسم الدراسي وبالضبط سنة 2021، بمضمون شريط فيديو وثق لخطاب مدير مؤسسة أمام التلاميذ، وحذر فيه من اللباس غير المنضبط، قائلا “ممنوع السراويل القصيرة والممزقة والحلاقة الغريبة والهواتف النقالة”.
ساعتها توالت التدوينات المنوهة بهذا السلوك وبتلك الصرامة التربوية، وكان أغلب المعلقين على الواقعة من أباء وأولياء التلاميذ الذين يدرسون في تلك المؤسسة التعليمية.
وكانت “القدس العربي” أثارت موضوع اللباس المدرسي الموحد، وأوردت مضمون التعليقات التي أشار بعضها إلى أنه “نموذج مشرف للوطن وللمدرسة العمومية”، وآخر قال إن هذا “كلام رجل التربية بامتياز، لكن لابد من تفعيل دور جمعية الآباء علما ان هناك أسر لا يمكنها اقتناء ابسط لوازم العيش، بما في ذلك الوزرة”.
وعلى سبيل الختم، نشير إلى أن الوزارة الوصية على قطاع التعليم، عملت على مأسسة اللباس المدرسي في المذكرات التنظيمية، ونعود إلى سنة 1979 بالضبط، حين شددت مذكرة للوزارة على أن “مخالفة ما هو مألوف وعادي ظاهرة تستدعي تدخل الإدارة والأساتذة والأولياء لمعالجتها”، والإشارة هنا واضحة للباس وحتى ما يدخل في باب الموضة، حيث اكدت على عدم “التقليد الأعمى، وعدم التشبث بما عفا عنه الدهر وأضحى غير مساير للعصر ومتطلباته”.
إلى ذلك الحين، يبقى الجدل مرشحا للمزيد من الشد والجذب والنقاشات التي تفيض على جنبات منصات التواصل الاجتماعي ويحضر فيه جدل الانفتاح والانغلاق في المجتمع المغربي الذي يحرص على ان ينتبه لكل تفاصيل يومياته بين الحداثة والمحافظة.