* المعتقل السابق الزوهري هشام
لم يكن السجن مكانًا يُحرَّم فيه الحب، لكنه كان المكان الأمثل لاغتياله بصمت. الجدران الباردة لا تمنح قلبك فرصة للدفء، والعواطف التي كانت يومًا متقدة تتلبّد كغيم ثقيل فوق رؤوسنا. كنا نرى الوجوه شاخصة، حتى بعد الزيارة. المتزوجون منهم يعودون شاحبين، وكأن اللقاء القصير مع الزوجة أشد قسوة من الفراق الطويل.
لم يكن القفص الذي يفصلهم عن أحبتهم مجرد حديد؛ كان اختبارًا لكل شيء: الرجولة، الصبر، وحتى معنى الأمانة.
كثيرون كانوا يخفون وجوههم، يخشون أن ترى الزوجة ضعفهم خلف الزجاج السميك، أو أن تلمح في عيونهم اعترافًا بالعجز.
وكل زيارة كانت تُفتَّح فيها جراح جديدة: تفتيش مُذل، نظرات الشك، وأسئلة مبطّنة. الزوجة تُعامل كأنها تحمل سرًا لا تريد البوح به، والمعتقل يشعر بأن جزءًا منها قد أُودع السجن معه.
السجن لا يأسر الفرد وحده؛ إنه يلتهم العائلة بأكملها. يمد يده إلى كل تفاصيلهم: مشاريعهم مؤجلة، أحلامهم مُجمَّدة، وأيامهم تدور في حلقة مغلقة حول غيابك.
ما أصعب أن تتحول الأسرة إلى “ملف”، والزوجة إلى “مشتبه بها”، والبيت إلى امتداد للسجن. حينها، تدرك أن الحديد لا يُغلق على جسدك فقط، بل على كل من أحببت.















