في أرض تتنفس الصمت وتخشى الحديث … صوت يعلن الحقيقة لا يهادن،
تعلم منذ بداياته الأولى أن السياسة ليست وعودا تلقى بل التزاما يحقق وأمانة توفى
أخد عن الغرب حكمتهم فعاد بحلم يقين : أن الهندسة لا تصلح فقط لوضع مخططات معمارية بل عقلية تبنى بها الأوطان.
عمر بلافريج سليل عائلة مغربية ذات تاريخ عريق في النضال السياسي والاجتماعي .
عرفت بإسهاماتها في الحركة الوطنية والنضال منذ الاستعمار الى حين استقلال المغرب وعملية بناء الدولة الحديثة .
فهو ابن أخ الحاج أحمد بلافريج , أحد الرموز البارزة التي أسست حزب الاستقلال . وهو قريب اليساري المعارض وأحد الزعماء التاريخيين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحيم بوعبيد .
ولد عمر في الدار البيضاء عام 1973 ونشأ في كنف ثقافة سياسية نهل منها المعرفة ودروس الحياة .
تلقى عمر بلافريج تعليمه العالي في فرنسا , حيث تخرج من المعهد الوطني للفنون والمهن في باريس مهندسا .
ليتابع دراساته العليا في الإدارة العامة في المعهد العالي للدراسات التجارية , حيث سنحت له الفرصة لتكوين نظرة شاملة حول التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها بلده .
اشتغل عمر بلافريج بالهولدينغ الاقتصادي الملكي المعروف باسم “أونا” ( حاليا: المدى ) كما شغل أيضا منصب مدير تقني بجامعة الأخوين واشتغل مديرا عاما لتيكنوبارك , وهي مؤسسة واعدة في تنمية المقاولات الناشئة في مجال تكنولوجيا الاعلام والاتصال .
على نهج عبد الرحيم بوعبيد الذي أغنى التجربة السياسية بقيادته لحزب معارض لنظام حكم الحسن الثاني آنذاك وعلى خطى الراديكالي بنسعيد ايت ايدر, سار عمر بلافريج في سلهام الأول , وبطربوش الثاني داخل قبة البرلمان متشبعا بالمبادئ اليسارية ذاتها التي طبعت اختياراته وهو ما تجلى في مواقفه السياسية الجادة من موقع المعارضة , “طموحي الأكبر أن أكون في مستوى هذين القامتين اللذين بصما بأخلاقهما ونضالهما الحياة السياسية”.
من مهندس يهوى الرياضيات … الى برلماني يعارض الأرقام والطابوهات
بدأ بلافريج مساره السياسي من خلال العمل المجتمعي والنشاط المدني، حيث شارك في تأسيس عدة مشاريع ومبادرات رفقة الشباب.
دخل عالم السياسة بشكل أعمق من خلال انضمامه إلى “الحزب الاشتراكي الموحد”، وهو حزب يساري يدعو للإصلاح الديمقراطي في المغرب .
خاض غمار الانتخابات ممثلاً عن “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، ليفوز بمقعد في البرلمان عن دائرة “الرباط المحيط”، في نتيجة وصفت بالمفاجئة , فأصبح واحدًا من الأصوات القليلة التي تمثل اليسار في مجلس النواب المغربي. بات عمر بلافريج عين رقابة على أرقام الميزانيات .
فانتقد دون هوادة اعتمادات البلاط الملكي وناقش ميزانية الجيش كما طرح فكرة الصناعات العسكرية محتجا على طرق تمرير العديد من القوانين دون تفسيرات أو مبررات معقولة .
ذكر عمر بلافريج , في كل مناسبة أرقاما فاضحة , أثارت نقاشات حادة تهم تبديد المال العام والبحث في مصير المشاريع الكبرى التي يدشنها الملك ليؤكد مجلس المنافسة صدق مقولاته.
كان سباقا في تسجيل اعتراضه على تقاعد البرلمانيين. كما ناصر حقوق الانسان من خلال نشاطه الدائم لدعم المناضلين ومعتقلي الريف مبديا امتعاضه من الطابوهات .
طموح وانكسار
اقتنع عمر بجدوى العمل النضالي داخل مؤسسات الدولة رافضا لأي منطق سياسي تشاؤمي يقود الى أفق مظلمة “أؤمن بملكية برلمانية على غرار الدول الاسكندنافية ,أعتبره أفضل نموذج … هذا ما أثبته التاريخ ” , فبرز كشخصية سياسية كاريزمية “يساري معتدل” يتقن فن الحوار ثم يحسم قراراته داخل البرلمان خلال ثواني معدودة وفقا لمبادئه دون تردد .
أطل من خلال المنصات الرقمية في بودكاسته الأسبوعي على متتبعي الشأن السياسي ليثبت حضوره القوي وخطابه المقنع بنفس الأسلوب الشفاف الذي عهدته الجماهير خلال خرجاته الإعلامية .
تجسدت طموحاته في عودة اليسار المغربي إلى سابق عهده، فكرس جهوده نحو مشروع لتوحيد صفوف اليسار، وهو مشروع سرعان ما أُجهض في مناخ سياسي يسوده النفاق و تغيب فيه كل إرادة حرة.
ومع أنه لم يستطع إلى حد ما إيجاد تحالفات سياسية قوية تعينه على تحقيق رؤيته ، من أجل اندماج اليسار في إطار متناغم . قدم عمر، بشهادة الجميع، صورة طيبة عن العمل المؤسساتي وعن أداء فيدرالية اليسار معلنا اعتزاله العمل السياسي الى اشعار اخر “قررت التراجع وفاء لالتزاماتي الأخلاقية والسياسية “.
“سياسي ملتزم وصادق” … يمثل “وجهًا نقيًا للإصلاح في المغرب”
بهذه الكلمات وصفته الأمينة العامة للحزب , في حين اعتبر العديد من الصحفيين بلافريج من “السياسيين النادرين الذين يمتلكون شجاعة قول الحقيقة”، ويرون في انسحابه من البرلمان تعبيراً عن احتجاجه ضد الوضع السياسي الراهن في المغرب.
حظي بلافريج بتأييد واسع بين المغاربة الشباب والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي ك”رمز للتغيير والإصلاح”، مشيدين بشجاعته في مواجهة الفساد والدعوة إلى العدالة الاجتماعية. عبر متتبعوه صراحة عن إحباطهم بسبب انسحابه من البرلمان، وما زالت الآمال معقودة على عودته إلى الساحة السياسية بشكل أكثر قوة.