فتح القرار الملكي في الأردن الصادر قبل أيام، والمتعلق بإصدار “عفو خاص” عن المدانين بتهمة “إطالة اللسان” على الملك باب التحليلات والتكهنات حول دلالاته وأهدافه.
قرار تزامن مع تسلم الملك عبد الله الثاني مخرجات ونتائج “لجنة تحديث المنظومة السياسية” بالبلاد، واستبق نشر “وثائق باندورا”، والتي تحدثت عن “إمبراطورية عقارية سرية” للملك، اعتبرتها عمان بأنها تضمنت افتراءات وتشهيرا بعاهل البلاد.
معطيات يراها مراقبون بأنها ذات أبعاد داخلية وخارجية، تدلل على أن قرار العاهل الأردني بالعفو الخاص “كان مدروسا من حيث التوقيت وله مغزى سياسيا”، إذ يشير إلى جديته بمسألة الإصلاح والتي بدأها بنفسه، وحرصه على مواجهة تأثيرات خارجية عبر “تحصين الجبهة الداخلية”.
لم يكتفِ الملك عبد الله بما صدر عن ديوانه من رد على ما ورد في “وثائق باندورا”، فقد بين خلال لقائه، الإثنين الماضي، عدداً من شيوخ البادية الوسطى ووجهائها، إلى أن محاولات إرباك جبهة الأردن الداخلية لم تتوقف منذ زمن، قائلاً: “هنالك حملة على الأردن، ولا يزال هنالك من يريد التخريب ويبني الشكوك”.
وأضاف: “لا يوجد ما يتم إخفاؤه”، مؤكداً أن “الأردن سيبقى أقوى، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهدافه”.
وذكرت الوثائق، التي تشمل مزاعم بشأن ثروات حوالي 35 من قادة العالم الحاليين والسابقين، أن ملك الأردن “أنفق أكثر من 100 مليون دولار لتكوين إمبراطورية عقارية سرية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة”.
وعلى صعيد الإصلاح، لفت عاهل الأردن أن التحديث السياسي مستمر، وأنه يجب أن يتزامن مع الإصلاح الاقتصادي لتحقيق النتائج المرجوة، ولإحداث نقلة نوعية يشعر المواطن بأثرها.
والأحد الماضي، تسلّم الملك عبد الله تقرير لجنة تحديث المنظومة السياسية، بعد أن استكملت الأخيرة أعمالها في الـ19 من الشهر الماضي، بإقرار مسودة قانون الانتخاب ومقترحات لتعديلات دستورية متصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي.
وأكد عاهل الأردن خلال لقائه رئيس اللجنة وأعضائها في الديوان الملكي أن “نتائج منظومة التحديث ستسير بحسب المقتضى الدستوري، بحيث تتبناها الحكومة وتتعامل معها بكل حياد وإيجابية وترسلها إلى مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)”.
وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت عن بدء حصر القضايا المتعلقة بإطالة اللسان وإحضار الملفات الخاصة بها من المحاكم المختلفة ودوائر الادعاء العام، تمهيدا لتنفيذ العفو الملكي.
وتنص المادة 195 من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات كل من ثبت جراءته بإطالة اللسان على جلالة الملك أو أرسل رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى جلالة الملك وقام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامة جلالته أو يفيد بذلك، وتطبق العقوبة ذاتها إلى حمل غيره للقيام بأي من تلك الأفعال”.
وقبل عام 2017، كان المتهمون في هذه القضايا يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة، لكنها تحولت بعد ذلك إلى المحاكم النظامية.
رغبة الملك بالإصلاح
ليث نصراوين، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة الأردنية بيّن أنه حسب المادة 38 من الدستور الأردني، للملك الحق بإصدار عفو خاص.
وتنص المادة آنفة الذكر على أنه “للملك حق العفو الخاص وتخفيض العقوبة، وأما العفو العام فيقرر بقانون خاص”.
وتابع نصراوين “العفو الخاص يشمل جميع الجرائم المرتكبة بصرف النظر عنها، شريطة أن يكون صدر فيها حكم نهائي قطعي”.
وأضاف: “سبق لجلالة الملك أن أصدر عفوا خاصا عن جرائم أخرى ليست مرتبطة بإطالة اللسان، ومنها العفو الذي أصدره عن النائبين السابقين علي أبو السكر ومحمد أبو فارس عندما صدر بحقهم حكم بالحبس مدة سنة وشهر في جريمة إثارة الفتنة والنعرات الطائفية”.
واستدرك: “بالتالي فإن اختيار الجريمة التي يشملها العفو الخاص حق للملك”.
أما من وجهة نظر سياسية، فقد اعتبر نصراوين بأن “العفو الخاص تزامن مع تقديم اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تقريرها للملك، ما يعني إشارة من الملك أن هناك رغبة حقيقية في الإصلاح، ودلالة ذلك أن الملك قد بدأ بنفسه عبر إصدار القرار بالعفو عمن أساء إليه”.
قضايا كيدية وغير مبررة
بدوره رأى صالح العرموطي، عضو مجلس النواب الأردني أن “العفو الخاص استحقاق دستوري يشمل كل الجرائم، وكنت أتمنى أن يكون عفوا عاما؛ لطيّ صفحة مضت وفتح صفحة جديدة”.
وتابع البرلماني الأردني وهو قانوني مختص ونقيب سابق للمحامين أن “اختيار التهمة له أبعاد سياسية؛ لأن معظم القضايا المتعلقة بهذا الشأن كيدية وغير مبررة، وأخذت بعدا إعلاميا في الداخل والخارج”.
وأردف: “هذه القضايا تسيء للملك؛ لأنها تظهر وجود خصومة بين الملك والشعب، وعندما كنت نقيبا للمحامين طالبت بإلغاء المادة 195 من قانون العقوبات الأردني”.
ورغم مطالبات سابقة من قانونين بضرورة تعديل المادة 195، إلا أن ذلك يحتاج إلى مشروع قانون معدل؛ لعرضه على البرلمان والمرور بالمراحل الدستورية، ليصبح قانونا نافذا.
أما عن دوافع القرار، فقد أشار العرموطي بأنه “ليس كل ما يعلم يقال”، دون أن يوضح مقصده من ذلك، وفيما إذا كان للقرار أبعاد أخرى.
وأوضح: “سبق للملك وأن أصدر عفوا خاصا بشكل فردي، لكن ليس بهذا التوسع، وكان يقتصر على أشخاص بعينهم”.
واستطرد: “من يشملهم العفو هم المحكومون بالدرجة القطعية وينفذون العقوبة ولا يشمل القضايا المنظورة أمام القضاء”.
وتوقع العرموطي ألا تكون الأعداد المشمولة بالعفو كبيرة، وستكون “محدودة جدا وربما مئات؛ لأن كثير من القضايا التي صدر بها أحكام خفضت العقوبة لثلاثة أشهر واستبدلت بغرامة”.
مناخات الحريات والإصلاح السياسي
أما المحلل السياسي عامر السبايلة، فاعتبر أن “هذه التهم تتعارض مع فكرة مناخات الحريات والإصلاح السياسي”.
ومضى: “من الطبيعي إذا أردنا مرحلة من الإصلاح السياسي أن تبدأ بإعطاء انطباعات إيجابية؛ لهذا فنحن نتحدث عن ضرورة خلق هذا المناخ والتي يجب أن يتبعها مصالحات سياسية وخلق مظلة من الدولة تضم الجميع”.
ولفت أن ما يدفع نحو ذلك هو أن “السنتين الأخيرتين شهدتا حالة من الاستعداء بين كثير من الأطراف، نقابات وعمل وناشطين، وتم خلق حساسيات في المجتمع لم تكن موجودة حتى إبان الربيع العربي”.
ورأى السبايلة “هذه إحدى نقاط البداية التي يجب أن يتبعها خطوات أخرى تثبت أن هناك قدرة على خلق مناخ يعطي الانطباع بجدية الإصلاح السياسي”.
ووجه عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني حكومته، السبت الماضي، إلى دراسة جميع القضايا المتعلقة بـ”إطالة اللسان”، والسير بإجراءات عفو خاص عنها.