- على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات التشريعية التي سيشهدها المغرب في الأسابيع القليلة القادمة، والتي نتمنى ان تغير المشهد الانتخابي والسياسي والبرلماني أيضا مستقبلا. نستضيف اليوم في فضاء لوبوكلاج، أستاذا ومفكرا وباحثا في الحداثة والعلمانية، ليقربنا ويحاول أن يضيء بعض العتمات التي لا زالت عالقة في المشهد الانتخابي والسياسي المغربي، وسنطرح معه أيضا بعض التطورات التي يمكن أن يشهدها الحقل الانتخابي والسياسي مستقبلا في الشهور القليلة القادمة. سنبدأ من البداية الأستاذ احمد والبداية تنطلق من بعض التيارات والفعاليات الأمازيغية التي انخرطت في العديد من الأحزاب وخاصة حزبين حاملين للمشروع الأمازيغي، ما هو رأيك في هذه العلاقة الآن بين مجموعة من الأمازيغيين والفعاليات الأمازيغية وتيارات أمازيغية للالتحاق بهذه الأحزاب التي تحمل هذا الهم الأمازيغي؟
- الأمازيغية أصلا كحساسية إيديولوجية فكرية وكحركة احتجاجية، لم يكن لها تدخل في الانتخابات، بل كانت لمدة طويلة تعلن مقاطعة الانتخابات، وكانت تصنف ضمن التيارات الراديكالية التي تعتبر أن العملية في كليتها ليست ذات جدوى. وكان المنطق هو أن الدستور لا يعترف بوجود الأمازيغية إذن نحن غير موجودون. لكن ابتداء من 2011 عرفت نوع من الدينامية على اعتبار أن الدستور اعترف باللغة والهوية والكيان الأمازيغي في الدولة واعتبرها في صلب الهوية المغربية، وهذا انجاز تاريخي مهم جدا. ومن هنا بدأ «إمازيغن” (الأمازيغيون) يفكرون جديا في الانخراط، سواء في الأحزاب وكذلك في الاهتمام بالانتخابات أو حتى التحالف مع تيار معين والدعوة إليه. وهذا بالفعل ما حدث في الانتخابات سواء سنة 2011/ 2012 أو في سنة 2016، بحيث رأينا أن الحركة الأمازيغية تمخضت عنها مواقف بين مؤيد لتيار معين ومعارض لحزب معين، الشيء الذي لم يكن له وجود قبل سنة 2011. إذن فبوجود مجموعة من الفاعلين الآن الذين انتقلوا من الانتماء الى المجتمع المدني الى الرغبة في الانضواء تحت لواء المجتمع السياسي، فهذا طموح مشروع طبعا ولا يمكن أن يكون إلا قيمة مضافة، لأننا كنا نطالب الأحزاب السياسية بالاهتمام بالملف الأمازيغي، لكنها لم تكن تتوفر على مختصين ومهتمين، لكن بدخول مناضلين مختصين في القضية والملف الأمازيغي على الخط، اعتقد بشدة انهم سيحركونه سواء لدى الفرق البرلمانية او القيادات الحزبية، وسيكون لهذا أثر إيجابي بكل تأكيد.
- نعلم جيدا أن العديد من الانتخابات منذ ستينات القرن الماضي وبالضبط في أول انتخابات، رافقت هذه الانتخابات مجموعة من عوامل الفساد خاصة المتعلقة بالرشوة وظهرت صيغة أخرى في السنوات الأخيرة متعلقة ب”القفة”، ما رأيك في هذا الجانب الذي يتعلق بالمال والانتخابات؟
هناك آفتين في الانتخابات المغربية تعرقلان الديمقراطية في بلادنا؛ المال واستعمال الدين. ولهذا أرى أن استمرار الظاهرتين هو دليل على عدم نضج التجربة الديمقراطية المغربية ودليل على أننا لم نقترب من تخطي الخطوة الحاسمة نحو الترسيخ الديمقراطي الذي لم يتحقق بعد للأسف في البلاد، ونلاحظ أن توزيع “القفة” بل توزيع المال نقدا حتى في يوم الاقتراع نفسه من الدلائل السلبية جدا في التجربة الديمقراطية المغربية واعتقد أن هناك عدم وجود إرادة حقيقية لإنهاء هذا النوع من الممارسات، لأن الأعيان الذين يمارسون هذا النوع من السلوك هم في الغالب يعتبرون أنفسهم حلفاء للسلطة ويتصرفون على أن ليس هناك محاسبة وبالفعل لا تكون هناك محاسبة.

ابتداء من 2011 أصبح لدينا حزب من التيار الاسلامي الإخواني ضمن الحياة السياسية والمؤسسات والحكومة، وزاد من تكريس هذه مسألة توزيع القفة واستعمال الدين الشيء الذي ليس له وجود في الاحزاب الأخرى، وهذه بدورها آفة تنضاف الى القفة، وللأسف أعتقد أن هذا من أكبر العوائق لنمو الوعي المواطن في بلادنا، لأن الوعي المواطن هو في الشخص الذي يصوت عن دراية وعن مشروع وعن مبدأ، وليس بسبب “القفة” واستعمال الدين، ومنه فهذا النوع من السلوك يضعف من الوعي الديمقراطي وينقص من مصداقية وشرعية العملية الانتخابية.
- أود أن أعرف رأيكم استاذ أحمد عصيد فيما قد نسميه “ظاهرة”، يتعلق الأمر بحزب استمر لمدة ولايتين اثنتين كسابقة في التاريخ السياسي والانتخابي المغربي، ما سر هذا الاستمرار رغم الانتقادات التي طالته داخل المغرب وخارجه على مستوى تدبير الشأن العام المغربي في رأيك؟
عمليا على الصعيد الدولي، وفي التجارب الديمقراطية الناجحة، يعتبر كل حزب يستمر لولايتين حزبا ناجحا في الحكومة بمعنى أنه حقق مكتسبات للمواطنين فجددوا ثقتهم فيه، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لبلادنا، حيث يعبر المواطنون على أن الحزب فاشل في الشأن الحكومي وأن الحكومة اتخذت تدابير خطيرة لا شعبية ضربت القدرة الشرائية وحررت أسعار المحروقات ومست التقاعد الى غير ذلك ، وبالرغم من كل هذا نتفاجئ أنه في سنة 2016 الحزب لم يأتي بنفس عدد المقاعد بل أنه تجاوزها، وانا شخصيا تنبأت بهذا سنة 2013، انطلاقا من ملاحظتي للوتيرة السريعة التي كان يخلق بها هذا الحزب جمعيات المجتمع المدني، إذ خلقت آلاف الجمعيات في مدة خمس سنوات فقط، فعلمت عندها أن الحزب بصدد تشكيل مجتمع مدني خاص به وسيقطع تمويل الدولة على المجتمع المدني الآخر وسيحول سيولة الدعم في المجتمع المدني التابع له وستكون نتيجة ذلك أنه رغم الفشل الحكومي لهذا الحزب سيحافظ على كتلته الناخبة. زد على ذلك أنه لما كان في المعارضة وحتى قبل ذلك حين كان التيار الاسلامي محاصرا تغلغل في المجتمع وخلق لنفسه علاقات بالنخب المالية والمواطنين خاصة في الأحياء الشعبية ومدن الصفيح، وفي هذه الفترة وزعت القفة بكثافة وجعلت الحزب يحافظ على كتلته الناخبة رغم انه فشل حكوميا وهذا ليس عاملا مساعدا على تطوير التجربة الديمقراطية ببلادنا.
- السؤال ما قبل الاخير مرتبط بالانتخابات أيضا، لوبوكلاج تود أن تعرف رأيك الاستاذ عصيد حول القاسم الانتخابي الجديد الذي أثار جدلا كبيرا بين الأحزاب وصوتت لصالحه أحزاب الأغلبية باستثناء الحزب الذي يقود الحكومة والذي قاد الحكومة السابقة أيضا في المشهد السياسي المغربي؟
في سنة 2016 لاحظنا مجموعة من الإجراءات المرتبكة للسلطة للتقليص من الكتلة الناخبة للبيجيدي، لكن هذه المحاولات لم تنجح لأن العمل الذي قام به الحزب في عمق المجتمع منحه إمكانية الاستقرار في مركز صدارة الانتخابات، وبالنسبة لفكرة القاسم الانتخابي أعتقد أنها بدورها فكرة سلطوية بدليل أن وزارة الداخلية هي من يضغط من أجل خلق تكتل حول هذا القرار ليبقى المعارض الوحيد هو الحزب المعني الأغلبي، حيث فهم بأن القاسم الانتخابي هو خطة السلطة لتقزيمه انتخابيا. والسؤال المطروح هو هل هذا القاسم الانتخابي مفيد ديمقراطيا ام لا؟ بالنسبة لي ارى انه غير مفيد ديمقراطيا بل العكس تماما، لأن الديمقراطية هي في التنافسية الشريفة والحقيقية، وفي أحزاب قوية وحقيقية، وليس أحزابا مقزمة تفرض عليها خريطة انتخابية معينة من أعلى إلى أسفل، ولهذا فالقاسم الانتخابي ما هو إلا بغرض إنهاء صدارة حزب العدالة والتنمية. اعتقد أنه يمكن أن يبقى في الحكومة ولكن كمكون ثانوي جدا وليس ليترأس الحكومة، بناء على أن السلطة وضعت عوائق كبيرة في طريقه.
مع العلم أنه من الممكن ان تتخلى بعض الكتل عن البيجيدي في الانتخابات المقبلة، فإذا كان قد حصل على مليون وستمائة ألف صوت فسيحصل على أقل مستقبلا، لكنه سيبقى في الصدارة في حال لم يتأثر بالقاسم الانتخابي كإجراء لم يكن منتظرا.
- هل تتوقع كأمازيغي أن تتصدر الأحزاب التي تحمل الهم والمشروع الأمازيغي الانتخابات المقبلة في سبتمبر واكتوبر المقبلين؟
ضعف الأحزاب السياسية اصلا هو بسبب قوة النظام وهناك منطق خاطئ عند النظام السياسي في المغرب وهو أنه طالما أضعف الأحزاب السياسية كلما اصبح أكثر قوة، الا أن هذه العملية لا تعطي مصداقية للحياة السياسية وتجعل المواطنين يفقدون الثقة وينفرون وتساهم في زيادة العزوف السياسي، فالمواطن يعتبر أن لا جدوى من التصويت على الأحزاب اذا كانت ضعيفة، ومن هنا جاءت ظاهرة الاتجاه الملك مباشرة فتجد المواطنين يسلمونه رسائل إذا صادفوه في الشارع أو يرسلونها عبر الديوان الملكي، ولا يتوجهون إلى الحكومة، لأنهم فقدوا الثقة، وانا أرى أن الحياة السياسية الحقيقية وذات المصداقية هي بأحزاب قوية وليس بأحزاب ضعيفة، ويجب أن تفهم السلطة بأنه كلما توفرنا على احزاب قوية وحياة سياسة ذات مصداقية ستكون السلطة أقوى، فالقوة الحقيقية للدول هي في إنجاح انتقالها نحو الديمقراطية وتحقيق ما نسميه ب”الترسيخ الديمقراطي”.