في أجواء مفعمة بالإبداع، أطل علينا كمال الأزرق بفيلمه “عصابات”، ليكون بمثابة شعاع من الأمل في عالم السينما المغربية. بعد دورة سابقة لم يكن فيها سوى عادل الفاضلي الذي حصد جميع الجوائز بفيلم “أبي لم يمت”، والذي يعكس حالة من الفقر الفني، جاء “عصابات” ليعيد لنا الإيمان بأن السينما لا تزال تحمل في طياتها إمكانيات هائلة.
يمتاز “عصابات” بقدرته الفائقة على دمج الإثارة والعمق الدرامي، حيث نجح الأزرق في تقديم قصة تأسر المشاهدين وتجعلهم يعيشون أحداثها بكل حواسه. وفي الوقت الذي أُسدل فيه الستار على أفلام أخرى تفتقر للإبداع وتمثل تجارب فاشلة أكثر من كونها أعمالًا فنية، مثل تلك الأعمال التي لم تستطع حتى إقناع الجمهور بوجود حبكة أو فكرة، نجد أن “عصابات” يضيء المشهد ويجعلنا نتساءل: أين كانت هذه المواهب طوال الوقت؟
إلى جانب هذا العمل المتميز، نجد أفلامًا أخرى مثل “كذب أبيض” لأسماء المدير و”الثلث الخالي” لفوزي بن سعيدي، التي ساهمت أيضًا في إنقاذ المهرجان، مما يعكس تنوع الإبداع في السينما المغربية ويعزز من آمالنا في مستقبلها. إننا أمام مجموعة من الأعمال التي تبشر بعودة الروح للسينما، بعيدًا عن تلك الأفلام التي تركت لنا شعورًا بالإحباط وكأننا نشاهد الإعلانات التجارية بدلًا من الفن الحقيقي..
“ جوائز لفيلم يفتقر للإبداع، هل يكفي اسم الممثل لإخفاء العيوب؟”
بعد أسبوع من التنافس الحاد في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، جاء فيلم “على الهامش” ليحصل على جائزة أحسن سيناريو من جيهان بحار وجائزة أحسن دور نسائي ثانوي لماجدولين الإدريسي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت الجوائز تتويجًا حقيقيًا للإبداع، أم مجرد محاولة لإعطاء لمسة براقة لفيلم يُخفي خلفه عيوبًا واضحة؟
صحيح أن ماجدولين الإدريسي ورفاقها قد أضفوا بعض البريق على الفيلم، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن “على الهامش” كان أشبه بتجميع مشاهد ليس لها أي ترابط أو عمق. وكأننا نشاهد عرضًا مسرحيًا يجري في حديقة خلفية بدلاً من فيلم سينمائي يهدف لإمتاع الجمهور.
لذا، في عالم السينما، نتساءل: هل يجب أن نُكرم الأفلام بناءً على النجوم فقط، بينما الإبداع يسير على الهامش؟ من الواضح أن الجوائز في هذه الحالة كانت أكثر من مجرد تكريم حقيقي، بل كانت محاولة فاشلة لإعطاء قيمة لعمل قد يُعتبر بمثابة دعوة مفتوحة للنوم!
“كذب أبيض”
في ختام المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، حصل فيلم “كذب أبيض” للمخرجة أسماء المدير على الجائزة الكبرى، وهو فوز مستحق يبرز موهبتها التي أذهلت الكثيرين في مهرجان كان ومهرجانات دولية أخرى. ولكن، في خضم هذا النجاح، ظل فيلم “مورا يشكاد” للمخرج خالد الزعيري بعيدًا عن الأضواء، رغم أنه قدّم رؤية عميقة لمعاناة المغاربة في المناجم الفرنسية.
فيلم الزعيري لم يكن مجرد عمل وثائقي، بل كان تجسيدًا إنسانيًا يلامس القضايا الاجتماعية الحقيقية. ورغم أن أسماء قد أبهرت الجمهور بإبداعها، فإن “مورا يشكاد” يستحق المشاهدة والتقدير، فهو عمل يقدم لنا عمق التجربة الإنسانية بطريقة مميزة.
بينما يعكس فوز أسماء قيمة بارزة في السينما المغربية، يجدر بنا ألا نغفل عن الأفلام القيمة مثل تلك التي قدمها الزعيري، والتي تستحق أن تُعرض وتُناقش.
تحفيز لمخرجي الأفلام الحالمة
أفلام مثل “عصابات” و”كذب أبيض” أضفت على المهرجان روحاً من الشغف والمتعة، مقدمةً تجربة سينمائية مليئة بالتشويق والرسائل العميقة التي لامست الجمهور. أما الأفلام الأخرى التي اختارت إيقاعًا “هادئًا” فبدت وكأنها تفضل أن تمنح الجمهور فرصة للاسترخاء، كجلسة صفاء ذهني لا تدعو كثيرًا للتفكير. نوجه لمخرجي تلك الأفلام دعوة ودّية لعلها تلهمهم نحو العودة بأعمال مليئة بالنشاط والحيوية، فقد تكون هذه الجرعة من “السكون” هي ما يحتاجونه للانطلاق بروح جديدة. عسى أن تعودوا لنا بمفاجآت تخطف الأنظار وتوقظ فينا شغف السينما الحقيقية بدلًا من تقديم مزيد من الأفلام الحالمة.