- هل هناك سياسة عمومية لتدبير الشأن الثقافي بالمغرب؟
صحيح، بداية يجب أن نتساءل عن موقع الثقافة في السياسات العمومية، وفيما يعتمد من خيارات وتصورات وما يسن من قوانين وما يرصد من ميزانيات.
نلاحظ أنه لازال ينظر للثقافة في بلادنا على أنها قطاع ثانوي وعنصر مكمل أو مادة ترفيهية فقط، لذلك لا يجب أن نستغرب إزاء الميزانية التي ترصد لها فهي هزيلة جدا، لا تسد الحاجيات المطروحة ولا تفي بالغرض، ولا تجيب أيضا عن كل الانتظارات المرتبطة بحقل الثقافة، سواء تعلق الأمر بالسينما المسرح، الكتاب، الفنون التشكيلية، الأغنية، إلخ… هنالك تمثل ما عند صانع القرار، فهل ينظر إلى الثقافة كأحد العناصر الأساسية والضرورية لبناء مجتمع متماسك ودولة قوية برؤية واضحة تستند إليها للسير نحو المستقبل، أم أنه يعتبرها مجرد ترفيه وعنصر ثانوي مكمل في طبق رئيسي ؟
الإشكال كما نرى الآن هو موقع الثقافة في السياسات العمومية وفي الخطاب والتصورات والبرامج التي تضعها الحكومة والميزانية المرصودة. هل لدى مؤسسات الدولة سياسات واستراتيجيات ثقافية؟ هل تراها ركيزة أساسية لتحقيق النهوض والتحديث والتطور والتماسك والانتقال الضامن للاستقرار والنجاعة والإبداع؟ هذه أسئلة تستمد مشروعيتها من الواقع وتفرض نفسها علينا عندما نسائل الشأن الثقافي في المغرب.
- بصفتكم مديرا لقناة الرابعة “الثقافية”، كيف ترون وضعية الثقافة في الإعلام السمعي البصري بصفة عامة في المغرب؟
أما عن موقع الثقافة في الإعلام، فهذا الأخير أيضا لا ينفصل عن هذه المنظومة التي اشرت إليها سابقا، هناك هيمنة السياسي وسطوته في المجال العام. وإذا أخضعنا ما يبث على القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية من برامج ثقافية، سنستنتج بدون تكلف أن البرامج المقدمة غالبا ” ما تكون سياسية، اقتصادية، اجتماعية وترفيهية “، في حين يخصص للثقافة حيز ضعيف.
هل لأن الأمر يتعلق بغياب طاقات تتوفر على المؤهلات الضرورية لإنتاج برامج ثقافية فكرية، أم أن مقاربة السياسات العمومية تنسحب كذلك على موقع الثقافة في الإعلام؟
أعتقد أن هنالك علاقة عضوية بين المنظورين، مستوى الثقافة في السياسات العمومية لا يرقى إلى المستوى المطلوب الذي تنتظره الفئات المثقفة، الثقافة باختلاف مكوناتها يجب أن تكون موضوع اهتمام. من هذا المنطلق يمكن أن نقول إن الثقافة لا تجد المساحة الضرورية والمطلوبة في الإعلام العمومي والإعلام الخاص في المغرب.
- إذا في هذا الصدد، هل وضعية الثقافة تختلف في الإعلام العمومي وغير العمومي بالمغرب؟
بدون شك نعلم أن الإعلام العمومي تحكمه التزامات ودفاتر تحملات، لأنه مطالب بتقديم خدمة عمومية سواء تعلق الأمر بالثقافة أو أي مجال آخر، لذلك نعتبر أن وسائل الإعلام العمومية هي الأقدر والأجدر بأن تساهم في تقديم عرض ثقافي متنوع يتماشى والحاجيات التي يطرحها المجتمع. وباعتبار أن الإعلام العمومي ممول من طرف الدولة فلديه التزامات ويجب أن يؤدي وظيفته ويوصل رسالته، لا يجب أن ينظر إلى هذه الرسالة الثقافية على أنها هامشية، بل لها دور أساسي لأنها إذا لم تتوفر على موقع مركزي في سلم أولويات وانشغالات المؤسسات الإعلامية الوطنية سيؤدي ذلك إلى تكريس نوع من الفراغ والهشاشة على مستوى بناء الشخصية وتحصين الهوية وتحقيق التماسك الاجتماعي والوطني.
- ألا يخضع الإعلام الخاص أيضا لنفس الالتزامات؟
الإعلام الخاص أيضا، لا يقل أهمية عن القطاع العام. لكن بدرجة متفاوتة، فرغم أنه قطاع غير رسمي، فهو مطالب أيضا بأن يلعب دورا في هذا المجال، وأن يخصص حيزا للثقافة.
وأن يهتم بالفنون ومتابعة ومواكبة الأحداث والتظاهرات الثقافية، لأن فئات المستهلك على مستوى الإعلام سواء كان خاصا أو عاما تتنوع وتختلف، فهناك من يتابع الرياضة، وهناك من يتابع البرامج السياسية، والاقتصادية. إلخ … وهناك أيضا من يتابع البرامج الثقافية. هذه النخبة إذا صح التعبير أو الفئة التي تميل إلى استهلاك البرامج الثقافية تكون مؤثرة ومحددة لكثير من التحولات العميقة التي يمكن أن تطال البنيات الاجتماعية والفكرية والسياسية.
عندما نتحدث مثلا عن تحولات المجتمع المغربي، وعندما نتحدث عن أزمة القيم وإشكالية التحديث، لا يمكن لأي كان أن يتحدث عن هذه المواضيع لأنها تتطلب رصيدا فكريا وآليات للتحليل وقدرة على التقاط التفاصيل والإشكاليات المرتبطة بهذا التحول، هنا يبرز دور الثقافة. لكن ليس الثقافة بمعناها النخبوي، المنطوية على نفسها في برج عاجي والمنفصلة عن محيطها وواقعها، بل على العكس يجب أن نبسط الخطاب.
مثلا شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على شرائح عريضة داخل المجتمع، هي ظاهرة اجتماعية ثقافية وقيمية وتكنولوجية جديدة، كيف يمكن أن نتعامل معها إذا لم نعبئ لها الإمكانيات الذهنية والفكرية ونحللها ونفككها.
ونربط بينها وبين ما يحدث في الواقع، هذه الظواهر يجب أن نناقشها ونقيم حولها مناظرات وندوات. ويجب أن يكون لها امتدادات في الإعلام. يجب أن لا يكون الإعلام الخصوصي مسكونا بالربح والمنافسة وتحقيق فائض مالي من أجل تسديد النفقات والمصاريف، والإعلام العمومي كذلك لا يجب أن يكون مسكونا بالمنافسة، ويسقط هو الآخر في فخ السباق نحو تحقيق نسب مشاهدة عالية، ولو أدى الأمر إلى التضحية بالثقافة وارتكاب مذابح في حق ما هو فكري.
لذلك هذه المؤسسات مطالبة بأن تضاعف من جهودها ومن المساحات المخصصة للثقافة، فالتنشئة الثقافية ليست نزوة عابرة بل هي استراتيجيات ومخططات على مدى سنوات، والأجيال القادمة إذا كانت مفصولة عن واقعها الثقافي سنعرضها للإتلاف والتيه الوجودي و “الهوياتي”، وهنا ستقع الكارثة، فالثقافة هي القاطرة التي تجر المجتمع.
وهنا يمكن أن نقارن بين النخب السياسية المغربية والفرنسية. نلاحظ في البرامج الحوارية التي تبثها القنوات الفرنسية سياسية كانت أم ثقافية أن أغلب الأشخاص الذين يحضرونها لديهم مرجعيات واضحة والفوا كتبا و يمتلكون أدوات التحليل وقراءة الأحداث والظواهر ولديهم لغة سلسلة وقدرة على التفكيك ومقاربة القضايا الوطنية والدولية وإعطاء التصورات والترافع في المؤسسات التشريعية بشكل مقنع قد يسهم في توضيح الصورة، لكن في المقابل نحن لدينا مشكل حقيقي، هذا ليس تنقيصا وتجريحا .
أكيد هناك استثناءات وكفاءات لكنها محدودة. وهذا هو الواقع ويجب أن نقول الحقيقة كما هي، لأن الوضع غير مطمئن ويسائل الجميع. أحداث الشغب الأخيرة مثلا في ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، أزعجت العقل الجماعي. فكيف يقدم آلاف من الشباب وهم في مقتبل العمر على ارتكاب أفعال يجرمها القانون .
يهاجمون ويخربون ويلحقون أضرارا، هذه الممارسات والسلوكيات تساءل المنظومة التربوية والتعليمية والثقافة والإعلام، والمجتمع وتساءل أيضا المؤسسة التشريعية والأحزاب السياسية. لا يمكن لدولة كيفما كانت قوتها أن تتنازل عن الثقافة أو تترك المجتمع بدون قيم تحكمه وبوصلة توجهه.
- قلتم إذا أن للإعلام دور أساسي في التنشئة الاجتماعية، نبقى في الإعلام العمومي، بالنسبة للقناة الرابعة بالضبط كيف هي مكانة الثقافة؟
هناك تفصيل يجب أن نتوقف عنده، هو أن القناة الثقافية من المفروض أن تكون هي الرافعة والأساس والعمود الفقري للإعلام الثقافي العمومي، ويجب أن تتوفر على شبكة متكاملة، مقنعة، مبدعة ومبتكرة، وأن تستجيب لحاجيات المجتمع وتتفاعل مع ما يندرج ضمن الحقل الثقافي من أنشطة وتظاهرات، أي أن تقدم المغرب الثقافي بكل تجلياته وأبعاده ومكوناته، وأن تسوق أيضا للمغرب الحضاري والتاريخي والهوية المغربية المنفتحة والمتسامحة، هذا كله يوجد في دفاتر التحملات، فهي قناة موضوعاتية وهذا دورها بالأساس.
أنا سأتحدث عن الفترة التي قدمت فيها إلى القناة، وتحديدا مع بداية سنة 2020. هناك من يعتقد أن القناة الثقافية تتوفر على ميزانية خاصة بها، وهذه فكرة غير صحيحة، هناك امكانيات متواضعة.
علما أن أي قناة تحتاج إلى الحد الأدنى من المعدات وأدوات العمل والإنتاج، ووسائل تقنية متطورة وموارد بشرية كافية. ما ينتج الآن في القناة الثقافية هو “جهاد مهني” إذا صح التعبير، وفيه نوع من التحفيز المعنوي اليومي. لأنني أتيت بمنطق مفاده، أنه يتوجب علي أن أطور هذه القناة، وأن أصالحها مع محيطها، وأن أجعلها رافعة من روافع الإعلام العمومي. لكن لا يمكن تحقيق هذه الأهداف بدون الوسائل والإمكانيات اللازمة.
كان من المفروض أن تتوفر القناة على أستوديو لتصوير عدد من البرامج، وإمكانيات لتقديم نشرة إخبارية ثقافية كما يجري في مجموعة من القنوات. وأن تقدم برامج حوارية أيضا لمواكبة المغرب الثقافي. لدينا إمكانيات محدودة جدا. وليس لدينا إنتاج خارجي، وهذا يطرح مشكلا حقيقيا، على مستوى تنويع شبكة البرامج، وإغنائها ببرامج متميزة ذات جودة عالية تقنيا وفنيا ومقنعة على مستوى المحتوى.
نحن ننتج 16 برنامجا داخليا بإمكانيات بشرية وتقنية محدودة كما أشرت إلى ذلك، وهذا يتطلب اشتغالا ومواكبة كبيرة. ومهما كانت القدرات الفكرية والمهنية والتجربة والرأسمال الرمزي للمدير الذي يدير القناة عالية، لا يستطيع أن يحقق ما قد ينتظره الجمهور، لأنه يحتاج إلى عدد من المسؤولين والمساعدين.
مؤكد أن جائحة كوفيد 19 أثرت على إيقاع وسير عمل القناة وفي شتى المؤسسات والقطاعات، وأربكت وظيفتها الأساسية وأجلت عددا من الأوراش كان من المفروض أن يشرع في إنجازها مباشرة بعد تعييني مديرا للقناة الثقافية لكن الواقع يعلو ولا يعلى عليه.
أعتقد أن هناك إرادة قوية لدى السيد الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. فهو يتابع باهتمام كبير هذه القناة ويسعى إلى تطويرها وتجويد عرضها وتمكينها من مختلف الإمكانيات والموارد البشرية والوسائل التقنية.
المسألة مرتبطة بعامل الوقت لتجاوز كل الوضعية الحالية. يجب ألا ننسى كذلك ، أنه رغم تداعيات أزمة كورونا كانت هنالك استمرارية وإنتاجات في هذه الفترة، حيث انجزنا مجموعة من البرامج المرتبطة بالإبداع في المغرب، البيئة، التربية، والتاريخ، هناك أيضا برنامج حواري وهو الوحيد بالمناسبة، يستضيف مجموعة من المثقفين نتطرق لمسارهم الشخصي و تقدم شهادات في حقهم ومفاجآت.
أنتجنا خلال صيف2021 وفي ظل تفشي الوباء برامج مرتبطة بزمن كورونا حول المسرح والرواية، والسينما والأغنية، والتربية .، خلاصة الأمر أننا تحدينا الواقع بكل إكراهاته وقلقه و رهاباته وقررنا أن ننتصر محفزين أنفسنا بأننا يجب أن نقدم شيئا ما للمتلقي. لا أشك أن هناك ربما مجموعة من التغيرات الجديدة التي ستطرأ بخصوص الموارد البشرية والوسائل التقنية، لأنه لا يمكن أن نستمر على نفس المنوال.
هناك تغيير قمت به عندما قدمت للقناة. الشبكة كانت تبدأ البث من 3 زوالا إلى منتصف الليل، فحولتها من الساعة 12 لأضيف بذلك 3 ساعات للبث. في هذه الفترة، نعمل على إعداد برامج ثقافية لشهر رمضان، علما أن هذه البرامج ثقافية وتاريخية وفكرية بامتياز رغم أن بعضها ينطوي على مسحة روحية او صوفية فقط أردنا أن نتميز بشيء ما. وان نقول للمشاهدين بأننا هنا ولدينا شبكة برامج متنوعة وغنية بالمواد والوجبات التي يمكن أن تثير الشهية.
- دعني أقف عند نقطة مهمة، ذكرتم أنكم أضفتم 3 ساعات إضافية للبث، هل يمكن أن تتحدثوا عن كيفية الاشتغال داخل القناة، وما هي أهم التطورات الأخرى التي عرفتها القناة الثقافية خصوصا بعدما قدمتم إليها ؟
سأكون نرجسيا إذا قلت إنني قد حققت طفرة نوعية بالقناة. عندما قدمت إليها. بعدها مباشرة تفشى فيروس كورونا، وفي هذه الفترة كان يجب على القناة الثقافية أن تبث الدروس عن بعد لضمان الاستمرارية البيداغوجية بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية. ونحن كمرفق عمومي كان من الواجب والضروري أن ننخرط في محاربة هذا الوباء الذي أحدث حالة من الدهشة.
الحكومة رأت أن القناة الثقافية هي الأنسب للقيام بها الدور، إلى جانب قنوات أخرى. لذلك بقينا لمدة سنتين نبث الدروس في مختلف المستويات. وأكبر نسبة دروس بتتها القناة الثقافية. لقد تغير نظام القناة ووتيرة اشتغالها، واضطررنا تبعا لذلك إلى تأجيل بث بعض البرامج لعدم وجود حيز لها.
كنا ننتظر أن تمر الجائحة بسلام، لنستأنف الإيقاع العادي ونعود إلى سابق عهدنا. عند قدومي إلى القناة أول ما قمت به هو إقامة حفل تخليدا للذكرى 15 لإطلاق القناة الثقافية، تم استدعاء مجموعة من المثقفين والمسؤولين والإعلاميين، وكانت مناسبة لأعلن فيها عن خريطة طريق، ما ستقوم به القناة الثقافية في السنوات القادمة، والأدوار التي ستلعبها، لكن جاء الوباء فعطل وألغى كل شيء. الناس باتت تفكر في مصيرها وليس في مصير الثقافة. لكن رغم ذلك فإن الثقافة هي التي أرخت لهذه اللحظات المتشنجة والصعبة عن طريق الإبداع بكل أجناسه والندوات والقراءة.
الآن بعد أن صفا الجو نسبيا وتوقفنا عن بث الدروس. انطلقنا من جديد وبإرادة أقوى، أنا كمدير طلبت من كل الصحفيات والصحفيين أن يكثفوا الجهود، وأن يعبئوا الطاقات والإرادات لتنزيل جزء من خارطة الطريق التي أعلنت عنها غداة تعييني. وذلك عبر مواكبة ما تحفل به الساحة الثقافية والابداعية من أنشطة ومستجدات والاجتهاد في تطوير وتجويد البرامج وتقديم مجلات خاصة عندما تقتضي الضرورة ويفرضها السياق .، بالطبع كان هنالك تجاوب كبير من طرف العاملات والعاملين في القناة الثقافية .
لأنني أتعامل معهم كأفراد أسرة واحدة وأحفزهم بما يذكي فيهم حماسا لا تخمد شعلته، حاولت شخصيا أن أجعل من القناة مرآة عاكسة لجزء من المشهد الثقافي المغربي، وسعيت على تمكينها من حلة فنية جديدة، دون أن أنسى عملت جاهدا لضمان التسويق للقناة الثقافية عبر أفكاري وتجربتي المتواضعة.
لكن عندما ننزل إلى أرض الواقع نفاجأ بالصعوبات وغياب الإمكانيات الأساسية كما سبق أن ذكرت. على ذكر التسويق ليس لدينا قناة على “اليوتوب” وهذا يسبب لنا إحراجا كبيرا مع عدد من المثقفين والكتاب مغاربة ومشارقة، لأنهم يسألون عما إذا كانت القناة موجودة في منصة يوتوب، لمشاهدة البرامج التي شاركوا فيها .
و أمام هذا الوضع نضطر للقيام بالتسويق بمجهودنا الشخصي فقط. سأفتح قوسا مهما وهو أن الكتاب والمثقفين المغاربة يعلمون أن هذه قناتهم، لكن مع الأسف لا يهتمون بها ولا يكتبون أو يعرفون بها. من هنا يمكنني القول أن القناة الثقافية قناة متواضعة جدا بإمكانيات متواضعة أيضا، وأنا أعي جيدا ما أقول.
لأنني أعرف الفرق بين المحطات الإعلامية، منذ قدومي إليها وأنا أفكر في إنتاج ببرنامج حواري كبير، وبرنامج وثائقي كبير، وبرنامج لنقاش القضايا الكبرى فكريا وثقافيا وسوسيولوجيا ، وفكرت أيضا في بنشرة إخبارية ثقافية .لكن الإمكانيات لا تساعد، يجب أن نوفر الإمكانيات الضرورية: المادية، البشرية، التقنية، الفنية، ثم بعد ذلك نحاسب على المردودية ، نتمنى أن يتغير المشهد وتسير الأمور في الاتجاه الصحيح.
من المؤكد أن الشأن الثقافي لايشكل هما فرديا معزولا عن المجتمع، ولا يمكن للمثقف الفرد مهما كان شأنه أن يعالج اختلالات هذا الحقل بمعزل عن باقي المثقفين والأطراف المتدخلة في القطاع ومن بينها القناة الثقافية. لذلك تتطلب عملية إعادة الاعتبار للشأن الثقافي وتثمين دور المثقف المغربي عملا جماعيا ومؤسساتيا، تشارك فيه مختلف مكونات الحقل الثقافي الوطني بدون استثناء.
إن التحولات العميقة، والتطورات السريعة التي يشهدها المجتمع المغربي في كافة المجالات، وكذا المتغيرات المتتالية التي تجري في المحيط الاقليمي والعربي والدولي تفرض علينا مجموعة من الانتقالات بما في ذلك الانتقال الثقافي.
والمقصود بهذه الانتقالات إحداث قطيعة مع الممارسات والسلوكيات والمنهجيات التي لم تعد ملائمة للظرفية التي نعيشها وغير ناجعة واقعيا وبراغماتيا ، وهذه القطيعة من شأنها أن تدفع وتوجه المجتمع بكامله إلى المستقبل .قطيعة قادرة على الوقوف في وجه خيار تحييد وتغييب المثقفين وتهميش الثقافة ،
وما دامت الثقافة تشكل القوة الناعمة للأمة والقلب النابض لها والقلعة الأمامية الحامية والحاضنة لهويتها وخصوصيتها، فإنه يتعين على كل المتدخلين أن يتعاملوا مع هذا الحقل من هذه الزاوية، علما أن المغرب أنجب أصواتا وأسماء اكتسحت العالمين العربي والإسلامي بأفكارها ومؤلفاتها استنادا إلى جودة وأهمية ومصداقية ما أنجزته من أعمال فكرية وثقافية في شتى أصناف المعرفة. ولعل الاعتراف العربي والدولي بما حققه المغاربة في مجال الفكر والثقافة والإبداع، خير دليل على أهميتهم وضرورتهم في بناء أي مشروع ثقافي واجتماعي وسياسي.
وفي المجال الثقافي يمتلك المغرب المادة الخام والأساس الصلب والمتين لاحتلال مكانة متميزة ،وتحقيق إشعاع إقليمي وعربي ودولي ،غير أنه يتعين على كل الفاعلين وكل المؤسسات أن تدعم هذا الخيار وان تحتضنه ،خاصة وأن الدستور الجديد يوفر الحماية القانونية للفعل الثقافي من خلال تنصيصه في الفصل 26على أن السلطات العمومية تدعم بالوسائل الملائمة تنمية الإبداع الثقافي و الفني ،وأيضا من خلال إشارته في عدد من الفصول على أهمية العنصر الثقافي في تقوية الهوية واللحمة الوطنية..بما في ذلك الفصل 31 الذي ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والثوابت الوطنية الراسخة. وبديهي أن الآلية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف النبيل هي الثقافة .
إن ما حدث ويحدث في أكثر من منطقة، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وهوياتيا، يطرح بجدية وإلحاح انخراط الفاعلين الثقافيين في الديناميات السياسية والمجتمعية
- قبل الختام كلمة لقراء ” لوبكلاج”
كنت دائما على امتداد مساري المهني ومازلت ،أدافع عن الجودة والمهنية وكرامة الصحافيين ومختلف العاملين .وسعيت في شتى المحطات والمراحل، إلى أن ينسج التلفزيون روابط قوية مع المجتمع.
وأن يتفاعل مع محيطه على عدة مستويات. كان بإمكاني أن أغادر المغرب صوب مؤسسات إعلامية دولية منذ زمان، لكنني فضلت البقاء، اقتناعا مني بأنه ربما يمكن أن أساهم بقدر معين في تطوير الحقل الإعلامي العمومي المغربي. ووضع تجربتي المتواضعة رهن إشارة وطني، من منطلق أنه يجب أن أتحمل مسؤوليتي الأخلاقية والتاريخية والمهنية في هذا الإطار.
هذه قناعات ومبادئ وقيم لاحتمل أي تأويل لأنها ببساطة صادقة ونابعة من الأعماق وليس فيها أي نفاق أو تملق.
إن ما يجعلنا متشبثين بالأمل والتفاؤل هو مساعدة من يشتغلون معنا و تحفيز الناس وتشجيعهم والعمل في فريق متناغم منسجم كأسرة واحدة. حاولت صادقا خلق فضاء بشروط إنسانية، وعلاقات قائمة على التضامن والتعاون. أحاول أيضا أن أزرع في الصحفيات والصحفيين شعور الشغف بالمهنة، والتكوين والإعداد الجيد للبرامج، وأن نكون عاشقين لما نقوم به حتى نتفوق في أنجازه ونتقن صناعته و حتى نكسبه جودة ومصداقية مهنية .