مهدي عامري و محمد المريبطي ( المادة الفكرية و ادارة الحوار )
رانيا الحسيني ( الكتابة و التوضيب )
محمد المريبطي. السلام عليكم أصدقاءنا المشاهدين.
درسنا هذه الليلة مع د. مهدي عامري خبير التواصل و التنمية الذاتية و هو بعنوان طور مهاراتك في زمن الذكاء الاصطناعي في 30 دقيقة و 3 محاور.
أولا. ما هو الذكاء الاصطناعي؟
ثانيا. ما أهم فوائده و تطبيقاته ؟
ثالثا. طور مهاراتك السلوكية والمعرفية في زمن الذكاء الاصطناعي.
تحدثنا سابقا عن الطفرة التكنولوجية والمعرفية الحديثة. وفي سياق حديثنا حول مهارات التغلب على الخوف تحدثنا عن الخيال و اسهامه الكبير في حل المشاكل . واليوم نبتدئ درسنا مع د. عامري بالإشارة للخيال العلمي في السينما.

مع بداية القرن العشرين يصور لنا فيلم ماتريكس عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تسيطر الآلات على الإنسان الذي يعيش في عالم خيالي، وحيث تلبي كل احتياجاته المادية، وتوفر ألعاب الواقع الافتراضي كل احتياجاته العاطفية.
الآن بعد عشرين سنة من انتاج هذا الفيلم نرى الذكاء الاصطناعي يحيط بنا من كل جانب… حواسيب، جي بي اس ، ترجمة فورية على جوجل… أمن سيبراني، مال، أعمال، سيارات، علاقات، ألعاب… الى غير ذلك. و نطرح الآن سؤالنا على الأستاذ الدكتور مهدي عامري…
ما هو الذكاء الاصطناعي ؟
مهدي عامري. في البداية شكرا لك على هذه الاستضافة الجميلة وعلى التطرق لهذا الموضوع الذي أعتبره في غاية الأهمية، وتحية مودة مني إليك و إلى جميع صناع المحتوى التعليمي الهادف.
في الواقع قبل أن نعرف مصطلح الذكاء الاصطناعي الذي أصبح هذه الأيام كثير الاستخدام لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من هذا المصطلح، وأصبح طبعا يشير ضمن تخوفه من الذكاء الاصطناعي إلى سيطرة الآلات، اضافة إلى اضمحلال دور البشر… يمكن أن نشير إلى أن الواقع بعيد جدا عن الاقتراب من هذا التصور، خاصة في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي ننتمي إليها، والتي ما تزال بعيدا نوعا ما عن تلك الهيمنة المطلقة، وعن تلك السيطرة التامة للآلات و لروبوتات الذكاء الاصطناعي على حياتنا وعلى حضارتنا.
لعل التعريف البسيط الذي يمكن أن نعطيه للذكاء الاصطناعي هو كونه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية و أنماط عملها.
يمكن أن نشير هنا إلى مجموعة من الكفاءات و المهارات التي تسمح بها هذه الآلات مثل التعلم و الاستنتاج، و مثل المهارات التحليلية و رد الفعل على أوضاع معينة. فالذكاء الاصطناعي مصطلحا غني و متشعب. ونشير طبعا في هذا الإطار إلى أن هذا المصطلح تم استحداثه في البداية في خمسينيات القرن العشرين. ويمكن أن نضيف إلى جانب هذه التعاريف تعريفا آخر مؤداه أن الذكاء الاصطناعي هو دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها.
الذكاء الاصطناعي يثير الكثير من الأسئلة الحارقة و المقلقة و أشير و أكرر إلى أنه بعيد أن يعني سيطرة الآلات بشكل كامل على حياتنا اليومية، رغم أنه في السنوات الأخيرة بدأنا ندخل في عصر هذا الهيمنة عن طريق ما يعرف بالأتمتة الشاملة.
هذه الأتمتة شملت العديد من مجالات العمل من ضمنها ميدان الإعلام، حيث قامت إحدى شركات الصحافة الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية – مؤخرا – بتسريح عدد كبير من العمالة… تقريبا 100 صحفي تم الاستغناء عن خدماتهم.
لماذا ؟
لأنه تم تعويضهم بكل بساطة بـروبوتات قادرة على إنتاج وتحرير المحتوى، و قادرة على أداء عمل الصحفي. وهنا أفتح قوسين و أشير إلى أنه حسب بعض الدراسات المستقبلية سوف تعوض الآلات أكثر فأكثر في ميدان الإعلام الإنسان إلى درجة أنه في 2030 في الدول الغربية سوف تختفي الصحافة المكتوبة، وسوف تصبح صحافة الديجيتال هي الصحافة الرائدة.
محمد المريبطي. هل تقصد بالصحافة المكتوبة الصحف الورقية المطبوعة ؟
مهدي عامري. تماما… دعنا نكمل الحديث عما بدأناه… هناك استعمالات رائدة للروبوتات في الصحافة. هناك الروبوتات التي تغطي الأحداث على شكل طائرات صغيرة تحلق في مناطق الأحداث والتوترات والصراعات و الحروب و الفيضانات و الزلازل، وهذه الطائرات الصغيرة قادرة على التقاط وتسجيل الأحداث طبعا أكثر من الصحفي المحترف الذي لا يستطيع في الظروف الصعبة للحروب أو للنزاعات التي تنشب في بعض المناطق أن يتحرك بحرية و أمان.
ان الروبوتات أصبحت لها أهمية كبيرة ليس في الإعلام فحسب بل في التعليم أيضا لأن الأستاذ ليس وحده بما أنه يعمل من الآن صاعدا في محيط الأتمتة الشاملة. هذا يعني أن يتم في مستقبل قريب تعويض جزء من الأساتذة بروبوتات قادرة على توزيع التمارين و قادرة على تصحيح الامتحانات و قادرة على اعطاء محاضرات مباشرة للطلبة على منصات الانترنت.
محمد المريبطي. أشكرك على هذه المعلومات القيمة د. عامري. و الآن ما هي أهم فوائد و تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟
مهدي عامري. فوائد تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا محدودة و لا متناهية، باعتبار أن الذكاء الاصطناعي هو تبسيط للحياة باعتبار أنه يسهل الحياة أكثر من ذي قبل. في هذا الباب أود الإشارة إلى مسألة هامة… رغم أنه في السنوات الأخيرة ثمة اهتمام متزايد و متعاظم بالذكاء الاصطناعي، فإن الذكاء الاصطناعي قد وجد ربما منذ مئات السنين. وهنا سوف أشرح هذه الفكرة…
ان الآلات التي غمرت حياتنا منذ مئات السنين هي نفسها التي تساعد الإنسان في المعامل و الأوراش و المختبرات.. هذه الآلات تساعد النجار في ورشته وتمكن أرباب المصانع من تصنيع عدد كبير بل ضخم من الوحدات… من الأقمشة إذا تعلق الأمر بالنسيج، أو من الأحذية إذا تعلق الأمر بالصناعات الأخرى، أو السيارات… هذه الآلات التي ترافقنا في الحياة اليومية هي جزء من هذا الذكاء الاصطناعي.

ان الإنسان منذ فجر التاريخ حرص على البحث عن الرفاهية، وحرص أيضا على تيسير سبل العمل والتخلص من التعب الزائد. والهدف من ذلك طبعا هو رفع الإنتاج و إيجاد وقت خاص له … فمن هذا المنطلق أود أن أذكر أن الذكاء الاصطناعي ليس شرا مطلقا كما تروج لذلك بعض النظريات، ومن ضمنها نظريات المؤامرة. و أفتح قوسين لأشير أن نظريات المؤامرة التي ترافق الذكاء الاصطناعي هي في الوقت نفسه نظريات المؤامرة التي نجدها تطعن في وباء كورونا معتبرة اياه فعل فاعل و حاملا في طياته لأهداف شريرة أساسها تدمير الإنسان و القضاء على البشرية.
أكثر من ذلك… هناك بعض العلماء مثل عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج الذي يقول أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا. و أنا أعتقد شخصيا أن هذه المبالغات بعيدة عن الواقع، لأن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين مثله مثل السوشيال ميديا.
الأنترنت أيضا سلاح ذ حدين و هو مليء بالبيانات و المعلومات و المواقع، ولكن إذا كان مضمون الانترنت حسب الدراسات بنسبة 80 إلى 90 في المئة مضمونا تافها و سطحيا، فإنك من الممكن و السهل أن تستفيد من العشرة أو العشرين في المئة الباقية و التي هي لا محالة مضمون هادف ذو مستوى جيد.
ان الذكاء الاصطناعي في نهاية الأمر هو جملة هذه الميزات التي تسمح بها الآلات و المكننة التي تساعد الإنسان في تقليص الوقت و المجهود الذي يبذله في العمل، سواء على مستوى إنتاج المعلومات أو على المستوى التكنولوجي أو على المستوى الإعلامي أو في التدريس أو في الطب…
في السنوات الأخيرة بتنا نسمع بالعمليات الجراحية المجراة عن بعد. هذا من مفرزات و من مخرجات الذكاء الاصطناعي. و هذه الثورة المعرفية والعلمية التي يفرزها الذكاء الاصطناعي تسمح للإنسان بأن يستخدم الروبوتات ويسخرها بهدف إنجاز الجزء الأعظم من الأعمال التي كان يقضي فيها وقتا طويلا و تستنزف من طاقته الشيء الكثير، وبذلك يصبح لهذا الإنسان المعاصر متسع من الوقت لممارسة الهوايات و للاستمتاع بملذات الحياة، و عوض أن يعمل 50 أو 60 ساعة في الأسبوع فإنه ربما يعمل 5 أو 6 ساعات، و يقضي باقي الوقت في لعب الغولف أو التنس أو السفر أو البقاء في البيت لمشاهدة الأفلام أو أي شيء من هذا القبيل !
محمد المريبطي. أشاطرك الرأي. و في هذا السياق يقول جاك ما في إحدى محاضراته عام 2017 أن تغيير طريقة التعليم يسمح لا محالة لأبنائنا أن يتنافسوا مع الآلات و هو في محاضرته تلك يضيف بأن الذكاء الاصطناعي إنما جاء لكي يزيح المهن الغبية…
في سياق آخر نطلب من الأستاذ مهدي عامري أن يتفضل مشكورا ليشرح لنا بعض الأساليب لتطوير مهاراتنا و سلوكياتنا في زمن الذكاء الاصطناعي…

مهدي عامري. في الأشهر الأخيرة انصرف الملايين من الأشخاص في العالم أجمع إلى استخدام تطبيقات الدردشة و المحادثة بالفيديو التي تتيحها منصات التعليم عن بعد و هذا الإنجاز الكبير بل العظيم من نتائج الذكاء الاصطناعي الذي أتاح للبشرية الولوج الى سيل لا ينضب من المعارف و البيانات الضخمة اضافة الى ممارسة التعلم الذاتي..
و في الختام أريد أن أضيف أنه لا يمكن أن نتحدث عن الذكاء الاصطناعي دون أن نربطه بالثورة الرقمية الحالية و بالوضع الوبائي الراهن. و في هذا الباب أود أن أشير إلى أن هناك مجموعة كبيرة من المهارات الحياتية التي يمكن أن نتعلمها، ومن ضمنها على سبيل المثال عدم الإدمان على تطبيقات الذكاء الاصطناعي و عدم الإدمان على الآلات و عدم الإدمان على السوشيال ميديا والتركيز على بذل المجهود الفكري الخالص من أجل التعلم الذاتي بعيدا عن هيمنة الآلات… في أحضان الطبيعة مثلا و على الشطآن و في الوديان و على قمم الجبال.