من ضمن القضايا المهمة التي لا تحظى بالاهتمام الكافي لدى المشتغلين في الحقل الإعلامي من صحفيين وباحثين، تلك المتعلقة بما يسمى ب “واجب التحفظ” لدى الصحفي خصوصاً في علاقته بمواقع التواصل الاجتماعي.
فمن المعلوم أنه حين يوقع الصحفي عقد عمل يُمكِّنه من الاشتغال ضمن مؤسسة إعلامية ما (محطة إذاعية، تلفزة، صحيفة، موقع إلكتروني…)، ويقوم حينها بإنجاز تقارير إخبارية أو تقديم نشرات إخبارية أو إعداد برامج سياسية…الخ، فإنه يأخذ في الحسبان، حتى لا نقول يكون ملزما، الخط التحريري والتوجهات السياسية والايديلوجية المرسومة سلفاً من طرف الجهة أو الجهات التي تحتضن وتدعم المؤسسة الإعلامية، فتصبح مصداقية خطابه الإعلامي مقترنة في ذهن المتلقي بالمنبر الإعلامي الذي يتوجه إليه من خلاله الصحفي.
وحينما يفصح الصحفي على صفحته الخاصة على الفيسبوك أو تويتر عن قناعاته الخاصة، التي قد تتناقض مع المواقف التي سبق له أن عبر عنها باسم المؤسسة الإعلامية التي هو من ضمن طاقمها، يحصل تشويش في الرسالة الإعلامية المراد إيصالها للجمهور، ويتولد لدى المتلقي سؤال كبير: أي خطاب وأي صحفي يصدق؟ هل الصحفي الذي يرتدي جلباب المؤسسة الإعلامية أم الصحفي الدي يتوجه إليه عبر صفحته الخاصة بخطاب مخالف ومختلف عن الأول؟
في نفس السياق، يحق لنا أن نتساءل مِن موقع المُتَلَقّي عَمَّن نُصدِّق: الصحفي المُطِلّ علينا من شاشة قناة الجزيرة -مثلاً- الذي يؤكد أن نظام بشار الأسد “ديكتاتوري ودموي وعلماني” وبالتالي يجوز “الجهاد” ضده، أم نصدق نفس الصحفي في حالة ما إذا عبر على صفحته الخاصة عن نقيض ذلك معتبراً تلك الدولة “آخر قلاع جبهة المقاومة لمواجهة المخططات الإسرائيلية والأمريكية”؟. وهل يجوز أخلاقياً أن يدافع الصحفي في تلك القناة عن نظام تبون في الجزائر وعن تيار الإخوان المسلمين في العالم العربي ثم ما يلبث أن يذهب عكْسَ ذلك على صفحته الخاصة في الفايسبوك أو التويتر؟
من جهة ثانية يمكن طرح إشكال آخر، قد يعتبره البعض قيدا إضافيا على حرية الصحفي في التعبير عن مواقفه خارج إطار المؤسسة التي يشتغل بها، فهل يحق للصحفي أن ينتج ويقدم برنامجا على قناته الخاصة يكون شبيها أوبنفس الخصائص التي يتميز بها البرنامج المعروض على القناة الرسمية التي يشتغل بها؟ قد لا يرى البعض مانعا في ذلك لكونه يندرج ضمن حرية التعبير التي يتمتع بها الصحفي كسائر المواطنين، بينما قد يرى البعض الآخر في مثل ذلك العمل “منافسة غير شريفة”و”تعارضا في المصالح” مابين الصحفي والمؤسسة المشغلة له.
في البلدان الديمقراطية طُرحت هذه القضايا للنقاش منذ زمن بعيد ومن ضمن الأمثلة يمكننا التذكير بالمذكرة الشهيرة لمدير صحيفة “واشنطن پوست “الأمريكية سنة 2009 إلى طاقم تحرير الجريدة، التي نبههم فيها إلى ضرورة التزام الصحفيين بأخلاقيات المهنة ومواثيقها حينما يعبرون عن آرائهم الخاصة أو نشر صور وفيديوهات عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي يمكن اعتبارها تعبيراً عن رأي سياسي أو ديني من شأنه الإضرار بمصداقيتهم المهنية.
في الختام يحق لنا أن نتساءل: هل يكون الصحفي أثناء تقديمه برنامجاً أو نشرة إخبارية أمام الكاميرات، وتحت أضواء الكشافات الضوئية( les projecteurs )في نفس وضعية الممثل فوق خشبة المسرح أو داخل استوديو السينما يؤدي دوراً ما، سرعان ما يخلعه أو يتنصل منه (حسب الأحوال) بمجرد انتهاء التمثيل؟ أليست هناك خطوط فاصلة وجلية ما بين وظائف عالم الدراما في المسرح والسينما وما بين رهانات الإعلام والاتصال؟