لم أكن يوما متابعا بشغف لكرة القدم، رغم أنني لازلت أتذكر، حينما كنا صغارا نمازح الكرة في حارتنا، و نزعج الجيران ليضطر أحدهم للدفع بنا نحو الجري.
كان ذلك عندما كانت كرة القدم مجرد لعبة نناقش ثمن شرائها كرة “ميكا ” أو نختلق حيلة ” عاون الفرقة ” لتحقيق حلم شراء ميكازا بداية التمانينات ، كانت لعبة مرح وفرح لملىء الفراغ بعد الخروج من الحجرات الدراسية .
و اليوم وبعد أن أصبحت لعبة تحكمها قواعد وقوانين جديد ، واستثمارات مالية ضخمة، أصبحت قوة ناعمة للدفع بجلب العملة الصعبة .
في مجتمعنا لم يكن الأمر بهذه السلاسة بل إرتبط بعقلية تهدف من جهة الى تطوير اللعبة ومن جهة الى سن تشريعات لضبط الجمهور وتأطير ” الألطراس” أو جمعيات المشجعين والتي اصبحت تلعب دورا محوريا في صناعة الفرجة ، بل أكثر من ذلك جعلت منها مصدر ومورد دخل الكثيرين ، من خلال انتاج وبيع وترويج مصنوعان مختلفة بألوان الفرق وشعاراتها .
غير أن كابوس الشغب والعنف الرياضي لا زال يخيم على سماء لعبة كرة القدم ، في مختلف بقاع العالم ، ولعل أحداث الشغب وقعت في إحدى ملاعب العاصمة الرباط ، بين جمهور فريقين عريقين في كأس بطولة وطنية ، أبانت بالملموس اننا بين جمهور دخل و بعيد عن الكرة و عن الاحترافية وروح الرياضة ، و بين الجمهور المحب للعبة المتشبع بأخلاق الرياضية .
تساقطت الأحجار من كل مكان، جري وركل، سب وشتم، فر وكر، سرقة هاتف صحافية ونجاتها من إعتداء محتمل، إصابة في صفوف قوات الأمن وتجرأ خطير و غير مسبوق على هبة الدولة، إنها الصورة القاتمة التي روجتها مختلف وسائل الإعلام ، ليبقى السؤوال مطروحا ،لماذا كل هذا العنف ؟ وكل هذا الشغب ؟ ومن المسؤول عنه ؟
أسئلة عديدة تنتظر أجوبة مقنعة ، فكل هذه الأحداث الى جانب أخرى مرتبطة بفشل المنتخبات الوطنية، و الأموال الباهضة التي يتلقاها المدربون، والاموال التي تصرف دون حسيب ورقيب في الفنادق والاقامات الفاهرة ، دون انتباه لمن يصنع هذه الفرجة ومن هم في عمق هذه الفرجة، اللاعب رقم 13 أسئلة كذلك تجعلنا ندعو الى وقف المهزلة ،وندعوا الى الانتباه الى كل أشكال الشغب والتخريب الصامت التي أصبحث تنخر مجتمعنا ، كما تنخر الأردة الخشب عبر السياسات الفاشلة، والخطط الاقتصادية المبنية على الاحتكار والريع والجشع ، والتي لاتراعي حماية القدرة الشرائية للمواطن ، وعبر إعلام التفاهة والمحسوبية والرشوة والعبث بالمال العام ، إنه شغب صامت وسرطان وجب إستئصاله عبر الحرص على فرض سلطة القانون ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، والدفع بمختلف محفزات التنمية للحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية .
عذرا للجماهير الوفية الخلوقة، المشجعة الغيورة على الوطن، لقد بتنا على لسان الجميع، شد وجذب بين زياش ومزراوي وبين مدرب المنتخب، تسريب الدعوات ، و الاحداث الاخيرة ، كل تلك الأمور تنبىء أننا لسنا على الطريق الصحيح، أن عنف الملاعب بدأ يقلقنا ، أن الكواليس تقتل الروح فينا .
فقبل حوالي سبع سنوات شاركت في ندوة حول عنف الملاعب، وقلت من بين ما قاله المشاركون ، أن كرة القدم تربية ، كما كانت قديما في الالعاب المدرسية، فالمدرسة هي التي تعلمنا لعب الكرة، احترام المنافس، تشجيع الفريق، الاحتفال بالانتصار، وتقبل الهزيمة، لكن كرة القدم اليوم في المغرب، مجرد أرقام مالية يحكمها منطق البيع والشراء ، بلا حسيب ولا رقيب
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.