من حق الجميع انتقاد صانع القرار، بوريطة كان أو غير بوريطة لكن من البلادة أن تقتنص صورة عادية لتحملها أكثر مما تحتمل. هذا يظهر أنك تمشي مشية اللاغراب، واللاحمامة، لا أنت قادر على إفحام صانع القرار بالحجة والدليل، ولا قادر أن تكسب المواطن إلى صفك بالحجة والدليل.
المغربي يا عزيزي المغربي حين يشكره أحدهم على حسن الضيافة، او اللقاء، يأخذ نفس وضعية بوريطة. يخفض نظره أرضا، ويميل بكتفه إلى الأسفل يمينا. لماذا؟ لأنه بكل بساطة نتوارث دون أن نعي ذلك ثقافة الصوفي التي تتأسس عليها هذه الأرض.
الصوفي، عليه ان يظهر تواضعا أمام ثناء وامتنان الضيف له.
المغربي حين يرد بالشكر على شكر ضيفه يضع يده اليمنى على قلبه، ويطرق عليه مرتين.
المغربي حين يرد على ضيف رسمي، يطأطئ رأسه قليلا، ويحني كتفه إلى الأسفل، ليس تذللا، ولا خنوعا كما تفهمها أنت، بل تعبيرا لا إراديا عن ثقافتنا المتشبعة بإكرام الضيف مهما كان من يكون.
هذا عنا نحن المغاربة، أما عن الأمريكيين فلا اعتقد ان الشهور القليلة التي عشتها ذات زمن في أمريكا، ولا السنوات الطويلة لاشتغالي معهم، تكفي لأتحدث باسمهم، لذلك سأستشهد بما قاله لي أول أمس أحد اصدقائي الامريكيين أبا عن جد الأجداد، وللمصادفة يعمل في مؤسسة حكومية أمريكية، تعليقا على ما وصفه ب”الضجيج المبالغ فيه” على تغريدة بلينكن:
“أنت تعرفين جيدا اننا نتربى على ثقافة distance، عليك ان تترك مسافة ذراع بينك وبين الاخر احتراما لخصوصيته، وحفاظا على خصوصيتك، وحين يقترب منك الأمريكي فهذا يعبر عن حميمية أكثر، وحين يصافحك بقوة يظهر عن أنك حليف، وحين يلامسك، ويضع يده على كتفك، فهذا يعبر على أنه يشعر بالراحة في وجودك”.
وبالتالي يا عزيزي المغربي، نحن بكل بساطة، أمام صورة تعبر عن ثقافتين، ثقافة الأمريكي الذي عبر بطريقته عن شعوره بالارتياح، والاطمئنان، والألفة، وثقافة المغربي المشبع بتعاليم التصوف، كما يفعل الياباني حين ينحني احتراما، وتقديرا.
فهل الذين حملوا هذه الصورة أكثر مما تحتمل كانوا يعبرون عن تربيتهم الخالية من الاحترام، والتقدير، والامتنان؟ أم عن جهلهم بثقافة وطنهم؟ او جهلهم بثقافة الآخر؟ أم عن هذا وذاك؟
لا أعرف، ولا اريد ان اظلم أحدا، ولا أن اسيء الظن بأحد، لكن اوجعني ان اسمع صديقي الامريكي في حديثه لي أول أمس يقول: «ما كتبه بلينكن على حسابه هو قول عادي ومألوف في عهد الادارة الديمقراطية، نحن نعطي اولوية للسلام، والاستقرار، والحريات، وحقوق الانسان، وحرية الصحافة، هذه قيمنا وهذا منهجنا، وحتى ما نشر على حساب خارجيتكم لم أجد فيه ما هو مضلل، لأن الأمر لا يعدو ان يكون اختلاف ثقافات. ثقافة الامريكي الذي يقوم بالدعاية لقيم الادارة التي يمثلها، وثقافة المغربي الذي يميل الى التحفظ، والحديث باقتضاب، ودون تفاصيل”.
أوجعني قوله لأن هذا يدل على أن الافواه التي تعارض الدولة تعارضها عن جهل، وليس عن علم، وأنها جاهلة تدعي علما بثقافة الآخر، وهي بثقافتها غير عارفة.
من حق كل مواطن انتقاد صانع القرار، من حق المواطن ان يمارس حقه في التفكير، والرأي، والتعبير بدون خوف، لكن ليس من حق أحد ان يضلل هذا المواطن، ليس من حق أحد ان يهاجم الدولة ولو كذبا فقط لأنه لا يزال يشتغل بنفس الادوات القديمة من عهد عالم ما قبل كورونا: «التبخيس، السخرية، التضليل، الكذب…”.
#المغرب تحكمه نظرية الانقسامية: «آنا ضد اخي، وانا واخي ضد ابن عمي، وانا واخي، وابن عمي ضد الغريب”. لذلك، سيظل ملف حقوق الانسان قرارا داخليا، لا يحل الا داخليا، ولا يدار الا داخليا، و أمريكا نفسها تعرف هذا، لأنه بكل بساطة هناك قاعدة تحكم العالم وهي: «سواء كان ليبراليا، شيوعيا، ماركسيا، دينيا، العلاقة الجيدة التي تجمع الدول العميقة في العالم مع بعضها البعض، هي الفكر الحقيقي للدولة، أي دولة، وكل دولة، من المغرب، الى امريكا، الى الصين، الى جزر الوقواق”.
تذكروا هذا جيدا وأنتم تستنجدون ب”العراب”، تذكروا دوما أن “الدول العميقة في كل بلدان العالم تتشابه، عقلها واحد، ومصالحها واحدة… وأنها هي من يشرف على حل “الأزمات” التي يخلقها “اللامنتمي للدولة العميقة”.
ربما فقط ساعتها ستعيدون قراءة هذه الصورة قراءتها الصحيحة، وسترون فيها أن بلينكن يعبر عن امتنانه للمغرب بوضع يده على كتف ممثل السياسة الخارجية المغربية، ويرد عليه بوريطة كأي متشبع بالثقافة المغربية: «الله آودي أخويا بلينكين، ما بنتناش، لي ضراتكم ضراتنا” 😁