في أول خروج إعلامي له مع وسيلة إعلامية إسىانية، تحدث الصحفي سليمان الريسوني
عن السنوات التي قضاها بالسجن قبل العفو الملكي، عن صحافة التشهير ، عز غياب الأمن الإعلامي .
كما تحدث الريسوني، الذي قضى أربع سنوات في السجن، في حوار مطول مع صحيفة “الاندبندنتي” الإسبانية عن الوضع السياسي بالمغرب عن علاقة السلطة بالمعارضين الإعلاميين و المعارضين بصفة عامة، عن حقوق الصحفي و حقوق الإنسان. كما نحدث الريسوني عن مشاريعه الإعلامية المستقبلية..
نص الحوار / كما نشرته الزميلة لكم 2
كيف تشعر بعد مغادرة السجن؟
لدي انطباع بأنه لم يتغير أي شيء مهم في المغرب. أشعر أن وجودي وحريتي في خطر. لأنه منذ اليوم التالي لإطلاق سراحي، بدأت الصحافة المرتبطة بالأطراف التي لفقت ملف اعتقالي ومحاكمتي تهدد باعتقالي مرة أخرى بسبب المواقف التي عبرت عنها في حفل استقبال نظمه نشطاء حقوق الإنسان والديمقراطيون.
خاصة وأن أشهر الصحف المتخصصة في السب والتشهير، والتي تقود حملة التهديد بإعادتي إلى السجن، يمتلكها مسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية، يدعى خباشي.
إن القرار الفعلي بالعفو عن الصحفيين والنشطاء كان تصحيحا للجرائم التي ارتكبتها “الأجهزة” ضدنا وضد عائلاتنا بشكل يفتقر إلى الأخلاق ولم يسبق له مثيل في المغرب. كان يمكن لهذا القرار أن يكون تاريخيا لو ترافق مع قرار سياسي بتفكيك عشرات الصحف التشهيرية التابعة للمسؤولين عن الأعمال القذرة والاغتيال المعنوي و الأخلاقي للمعارضين والمثقفين المستقلين، وأيضا مع إفراغ السجون من السجناء السياسيين المتبقين. وتهيئة مناخ من حرية التعبير الحقيقية. لكن، لسوء الحظ ، لم تكن مثل هذه القرارات مرافقة للعفو الذي أصدره الملك محمد السادس.
هاجمك وزير عدل مغربي سابق واصفا الصحفيين الذين أطلق سراحهم بأنهم “أنانيون وناكرو جميل” لعدم شكرهم الملك على العفو. في الواقع، أنت الوحيد الذي لم يعبر عن امتنانه للملك محمد السادس. كيف ترد على مثل هذه المؤاخذات؟
حضرنا أنا والصحفيين والنشطاء المفرج عنهم ثلاثة استقبالات مهمة: الأول من طرف حزب “النهج الديمقراطي” (حزب يساري مغربي) والثاني من طرف اللجنة المغربية لدعم السجناء السياسيين. أما الاستقبال الثالث فقد نظمه لي سكان مدينتي القصر الكبير ولاقى ترحيبا شعبيا حارا.
هذه الاستقبالات أغضبت الأطراف التي لفقت ملفات اعتقالاتنا، وهذا أمر أتفهمه، فهم يرون انتصارنا هزيمة لهم وخروجنا من السجن كخطوة أولى نحو اعتقالهم وتفكيك أدواتهم القذرة.
أما ما قاله المصطفى الرميد، وزير العدل وحقوق الإنسان الأسبق، عن بعض المعتقلين المفرج عنهم، فهو كلام غير متوازن ولا قيمة له. لقد التقيت به شخصيا في منزله، ثم تناولت القهوة معه في مكان عام قبل بضعة أيام، ولم يعاتبني على عدم شكر الملك. وعندما كتب ما كتبه على الفيسبوك، اتصلت به وعبرت له عن استيائي، فقال لي إنني غير معني بما كتبه، ولا يجب أن أنزعج إطلاقا بشأن ما كتبه وإن ما كتبه كانت له أهداف أخرى.. اسمحوا لي ألا أفصح عنها في هذا الحوار. هذا مع أنه لم يعد سرا أن الرميد هو الشخص الذي توسّط في إطلاق سراحنا.
لماذا لم تعبر عن امتنانك لمحمد السادس بعد استفادتك من العفو؟
سأكون ناكرا إذا لم أشكر كل من ساهم في وضع حد لاعتقالي التعسفي، وهنا أود أن أشكر كل من ساندني أثناء اعتقالي: زوجتي، عائلتي، وفريق الدفاع الذي ضم أكثر من 50 محاميا نزيها وشجاعا، بقيادة النقيب عبد الرحمن بن عمرو، الرجل العظيم، ومنسق الدفاع، المحامي النبيل لحسن الدادسي.
وإذا كان علي أن أشكر الملك، فذلك لأنه بالعفو عني، صحح تعسفا من طرف العدالة ارتُكب ضدي، و”أدان” الأطراف التي لفقت ملف اعتقالي وأنفقت الكثير من المال العام على صحافة المراحيض التي جاهدت لكي تقدمني في صفة مغتصب، وتقدم زوجتي كعاهرة، وابني كطفل لقيط. ولم يعد سرا أن الجهة التي تدير وتموّل صحافة المراحيض هذه بالمال العام هي التي سجنتني ظلما وعدوانا.
لهذا السبب كانت تلك الجهة غاضبة جدا بعد العفو الملكي على الصحفيين، ودفعت أبواقها الفاقدة للمصداقية، وذراعها المشلولة: نقابة الصحفيين، للإشارة إلينا بصفة “الصحفيين السابقين”… لذلك أقول: شكرا يا جلالة الملك، وأناشد جلالتكم، بكل احترام، أن تأمروا مرة أخرى بمحاكمتي محاكمة عادلة، لأنكم القاضي الأول في البلاد، وأن تصدروا الأمر بتفكيك الأجهزة التي خططت لاعتقالنا التعسفي، وأساءت إلى الدولة المغربية ورئيسها الذي هو جلالتكم، قبل الإضرار بالصحافة والصحفيين المستقلين، وأن تطلقوا سراح بقية السجناء السياسيين، وهذا سيخلق مناخا يسمح بعودة الصحفيين المنفيين والمحررين للعمل.
لقد خضتُ إضرابا قياسيا عن الطعام وفقدت 45 كيلوغراما من وزني وكنت على وشك الموت ، من أجل الحق البسيط في أن أحصل على محاكمة في حالة سراح وأن أستفيد من جميع الضمانات القانونية لذلك، فضلا عن أن الملف الذي فبركوه لي كان مليئا بل مُترعا بالاختلالات والتناقضات.
صحيح أنني لا أعرف أولويات الملك، ولا كيف يوازن بين الأجهزة الأمنية ومتى تتاح له الفرصة لإصدار عفو أو تصحيح خطأ، لكن تقييمي البسيط هو أن المغرب كان سيكسب الكثير لو أطلق سراحي وحصلت على محاكمة عادلة.
تقييمي البسيط هو أن التدخل الفعلي للملك كان باستطاعته أن يكون أكثر أهمية لو حدث في بداية مذبحة حقوق الإنسان.
لا أدري لماذا صدر العفو الملكي الآن، فالوحيد الذي يعرف الأسباب الحقيقية للعفو هو الذي منحه، أي الملك. لكن ما هو مؤكد هو أن العفو هو تصحيح لخطأ اعتقالي، الذي أكد قضاة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه احتجاز تعسفي.
وكما هو معلوم فالمغرب هو من يتولى حاليا رئاسة هذا المجلس. هناك أيضا قرار البرلمان الأوروبي الذي أكد قرار الأمم المتحدة بشأن طبيعة اعتقالي التعسفي، والذي أكدته أهم منظمات حقوق الإنسان في المغرب وحول العالم.
لماذا لم يتم تفكيك الصحافة التي تمارس التشهير؟
من الصعب تفكيك صحافة التشهير في المغرب. لقد اخترقت الدولة والمجتمع وأصبحت جزءا لا يتجزأ من النظام، تصفق لإنجازاته، وتدافع عن أخطائه، وتهاجم الأصوات الناقدة، وتساعد في تلفيق المعطيات والصور ومقاطع الفيديو الزائفة للقتل الرمزية لمن يتجرّأ. حتى نقابة الصحفيين، التي كانت في الماضي تلعب دورا متوازنا بين وسائل الإعلام الرسمية والصحف المعارضة والصحافة المستقلة، تدافع الآن دون تحفظ عن النظام وأخطائه.
من المهم الإشارة إلى أن رئيس هذه النقابة ونائبته هما أجيران في جريدة يملكها مسؤول إعلامي في أحد أجهزة المخابرات، حسب ما أكده جوليان أسانج. إن هذه النقابة لم تدخر جهدا للتشهير بالصحفيين المسجونين.
أما رئيس المجلس الوطني للصحافة فقد كذب على الفيدرالية الدولية للصحفيين، عندما قال بأن هذا الاتحاد الدولي مقتنع بتورط الصحافيين في جرائم جنسية، قبل أن ينكر رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين ذلك في بيان علني. في غضون ذلك، بعث دومينيك برادالي Dominique Pradalié (رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين) برسالة ذكر فيها أن اعتقال الصحفي سليمان الريسوني كان احتجازا تعسفيا، وأن الدولة المغربية مطالبة بالافراج عنه، وأن على نقابة الصحافة المغربية أن تنخرط في حملة إطلاق سراحه، كما طالبت بذلك منظمة الأمم المتحدة في بيان شديد اللهجة.
الخلاصة: إن تفكيك صحافة التشهير في المغرب لم يعد أمرا سهلا، لذلك يجب أن يستند إلى قرار سياسي من الملك، وإلى الانخراط في مسار يسعى إلى تفكيك بنية الفساد الصلبة والمتماسكة التي رفضت حتى العفو الملكي.
كيف تتذكر السنوات التي قضيتها في السجن؟
كانت تجربة صعبة. يكفى أن أذكر لك أن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج محمد صالح التامك الذي يتلقى تعليمات من الأجهزة التي قررت تلفيق اعتقالي، لكي يهاجم كل من وقف متضامنا معي ومنهم الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي. هذا السجان الكبير أدانني قبل أن تصدر المحاكم حكمها ضدي.
لقد آلمني كثيرا أن سُرقت مني و أنا في السجن مذكراتي والمراسلات التي تبادلتها مع الصحفي المعتقل عمر راضي، والتي كنا ننوي نشرها في كتاب، وكذلك مخطوط رواية أدبية كنت أكتبها… لقد عانيت كثيرا من حملات التشهير الموجهة ضدي وضد زوجتي، وكنت عاجزا عن الرد على “الزملاء” الجبناء المتورطين في هذه الحملات القذرة.
هل تأمل أن تتمكن من العودة إلى العمل الصحفي في المغرب؟
عندما اخترت أن أكون صحفيا استقصائيا في بلد مثل المغرب، كنت أعرف ما ينتظرني: السجن وأشياء أسوأ من السجن. لذلك فحتى أثناء الاعتقال كنت صحفيا، ولذلك انتقموا مني بمصادرة كتاباتي وبتصويري بالفيديو وأنا أستحم عاريا، وهذا لم يحدث حتى في أسوأ السجون في العالم. لذلك سأظل صحفيا ضد إرادة الجلاد وصحافة السلطة التي تبارك الظلم والفساد.
ماذا تنوي أن تفعل الآن؟ هل فكرت في مغادرة المغرب؟
لم تراودني أبدا فكرة مغادرة بلدي. سجنت لأكثر من أربع سنوات في زنزانة انفرادية وكدت أموت عندما أضربت عن الطعام لمدة 122 يوما. كل ذلك من أجل مغرب ديمقراطي. لذا فإن الذين عليهم مغادرة المغرب هم الفاسدون والمجرمون في السلطة. وسوف يغادرون البلاد عاجلا أم آجلا، كما فعلوا خلال مظاهرات حركة 20 فبراير في عام 2011. أنا لدي زوجة وابن، وقد عانوا مع بقية أفراد عائلتي أثناء اعتقالي التعسفي، وهو أمر لم تعاني منه عائلات المعتقلين حتى في عهد الحسن الثاني.
يجب ألا ننسى أن صحافة المراحيض مست بشرف زوجتي وشككت في علاقاتي الأبوية مع ابني. زوجتي الآن في حالة نفسية سيئة وخائفة من اعتقالي مجددا، بعد أن هددت الجريدة الالكترونية التي يملكها مسؤول كبير في وزارة الداخلية بإعادتي إلى السجن. خاصة وأن هذه الصحيفة هي التي نشرت خبر اعتقالي في عام 2020، قبل أيام من حدوثه. لذلك فإذا قررت زوجتي أن علينا مغادرة المغرب، فلن يكون لدي خيار آخر سوى المغادرة.
وصفت بعض الأصوات المعارضة العفو الملكي بأنه “غير مكتمل”. من الذي لا زال خلف القضبان ومن يجب إطلاق سراحه؟
لقد تم تقديم قائمة بأسماء المجموعات وفقا لأهم منظمات حقوق الإنسان المغربية والدولية: هناك مجموعة من المعتقلين على خلفية احتجاجات الريف، ثم مجموعة بلعيرج، وكذلك مجموعة أكديم إزيك في الصحراء، والسجين موفو براهمي من مظاهرات مدينة فجيج، وأخيرا الوزير السابق محمد زيان.
ما هي خططك للمستقبل؟ ما هي أحلامك؟
لدي أفكار وخطط في مجال الكتابة الأدبية والموسيقى. سأحاول تخصيص الوقت لتنفيذها. طبعا أحلم بإطلاق مشروع إعلامي كبير، لكن الوضع السياسي الحالي في المغرب لا يسمح بذلك. بالإضافة إلى ذلك، فإن إطلاق مشروع إعلامي، انطلاقا من دولة ديمقراطية غربية، واستحظارا للتجارب السابقة، فإنه غالبا ما ينتقل من كونه مشروعا صحافيا نقديا إلى مشروع لمعارضة للنظام السياسي، وهذا ليس طموحي. وآمل ألا يُفرض علي مثل هذا الاختيار