ما هو موقع الإعلام في النموذج التنموي الجديد؟ وما العلاقة القائمة بين هذا النموذج ومشروع الهولدينغ الإعلامي الجديد؟ هل هناك اتصال أم انفصال بين النموذج التنموي الجديد ومشروع الهولدينغ؟.
بداية أطرح خمس ملاحظات، تؤطر هذه المساهمة وهي:
أولا: نموذج تنموي خارج زمن الإعلام
ثانيا: هولدينغ إعلامي ونموذج تنموي، جزر معزولة
ثالثا: تركيز على النتائج وإهمال أسباب الفشل
رابعا: الحاجة لمخطط وطني شامل
خامسا: التغيير في الاعلام يحدث عبر مناهج بيداغوجية
فمشروع النموذج التنموي الجديد اقتصر فقط على ابراز أهمية دور الاعلام ” كأداة للإخبار والنقاش العام، وتحيين السياسة العمومية للاتصال من أجل تحديد نطاق المرفق العام لوسائل الاعلام، وتحديد الحكامة وطرق التمويل التي يجب أن تسمح باعتماد نموذج اقتصادي، تتوفر له فرص الاستمرار، وأن يشكل إطارا فعالا للتعاون مع الحكومة واستقلالية التسيير، ومواكبة تحوله الرقمي، والتحفيز على الابتكار والجودة مع تقوية العرض الإعلامي الجهوي” .
هذا ما كان نصيب الاعلام في نص تقرير النموذج التنموي الجديد، الذي اكتفى واضعوه في حصر ببضعة أسطر وجمل وعبارات فضفاضة. وكذلك لم يوضح المشروع مع ذلك الآليات والسبل الكفيلة بجعل الإعلام بالفعل، أداة للإخبار وفضاء يتيح الفرص لكافة الفاعلين والحساسيات للتعبير عن آرائها؟
وكيف تتحول وسائل الاعلام خاصة السمعية البصرية، الى فضاء حقيقي للنقاش العمومي؟. كما لم يحدد النموذج التنموي الجديد مكامن الضعف القائم في السياسات العمومية في مجال الإعلام، وما هو المقصود مما طرحه بالحكامة والاستقلالية التحريرية، والجودة والعرض الإعلامي المنشود ؟.
وهكذا يلاحظ بصفة عامة، أن مشروع النموذج التنموي الجديد، أهمل – كما هو شأن ما سبقه من مشاريع مشابهة – قضية الإعلام في الوقت الذي أضحى هذا القطاع، يشكل معادلة حاسمة في أي تطور مجتمعي مطلوب، على الرغم من أن كافة الأطراف، تتفق نظريا، على أهمية هذا الاعلام والاتصال في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل الثورة الرقمية.
وهذا ما يجعل مشروع النموذج تنموي، خارج إيقاع زمن الإعلام الذي تحول في المرحلة الراهنة من سلطة رابعة الى سلطة أولى، وبوظائف متنوعة.
وإذا كان مشروع النموذج التنموي الجديد، قدم في 25 ماي الماضي خلال الاستقبال الملكي لرئيس اللجنة المكلفة بإعداده، فالملاحظ أن مشروع الهولدينغ الإعلامي الجديد الهادف إلى الجمع بين شركة “صورياد دوزيم” و” ميدي 1 تيفي” تحت لواء الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، كشركة قابضة، قد تم تقديمه خلال ذات اليوم، تحت عنوان “استراتيجية تنمية السمعي البصري العمومي الجديد” أما احدى لجان مجلس النواب، وذلك في غياب تام لتنسيق واتصال ما بين هذا النموذج التنموى، ومشروع الهولدينغ، وكأن الاعلام جزيرة معزولة عن بقية القطاعات، مع غياب عنصري الملائمة والالتقائية ما بين التوجهات العامة التي يتطلبها بناء المشاريع من هذا الحجم .
فوسائل الإعلام، وإن رحبت، بما حفل به مشروع النموذج التنموي الجديد، بتخصص حيز واسع احتفاء به والتحسيس بأهميته، فإنه على العكس من ذلك، لم يثر مشروع الهولدينغ الإعلامي الجديد، ، كثير اهتمام في الوقت الذي كان يتطلب مشروعا من هذا الحجم، فتح نقاش عمومي حوله بمساهمة كافة الأطراف المعنية، وذلك للوقوف على مدى قدرة هذا المشروع على توفير معايير الجودة والمهنية والتنوع والتنافسية، وتدعيم قيم الديمقراطية والمواطنة والاستقلالية التحريرية، حسب ما التزم به واضعو هذا المشروع الحكومي.
وتحت عنوان “نص هادئ لمغرب يغلى”، جاء في افتتاحية إحدى الاسبوعيات الصادرة بالدار البيضاء، إن تقرير النموذج التنموي الجديد ” أريد له أن يكون سكانير حقيقي لأمراض بنيوية من أجل وصفة علاج جذرية، وليست تخفيفية أو تسكينية “. إذن هل “حقق هذا ( التقرير) المبتغى؟.
وإن كان النموذج التنموي الجديد، “لم يستطع الوصول الي المطلب الملكي، برفع الحقيقة، فإنه قدم أفكارا جيدة ” وعلى رأسها الدولة القوية، والمجتمع القوي والميثاق التنموي، وآلية المتابعة ودعم الاقتصاد الاجتماعي” على الرغم من تسجيل.. احتشام في طرح مسائل جوهرية” منها “الحسم في الاختيار الديمقراطي على الأرض، أو ما سبق أن سماه اليوسفي (..) بازدواجية الحكومة والدولة في المغرب”، كما يرى كاتب الافتتاحية.
من هذا المنطلق، فلجنة إعداد النموذج التنموي الجديد، وان نجحت في التشخيص وتقديم البدائل لمغرب المستقبل، فإنها بالمقابل، لم تتمكن لحد الآن في تسويق عملها اعلاميا مهنيا وبالرهانات والتحديات التي يطرحها هذا المشروع الكبير، كما يرى البعض. وهذا ما يجعل الحاجة الى مخطط وطني شامل بديل عن المخططات قطاعية، كما هو جارى به العمل حاليا، إذ يعود غياب الانسجام في المخططات، بالدرجة الأولى، الى أن كل مخطط يحضر بشكل معزول عن باقي القطاعات، وهو ما يتطلب إعادة الاعتبار للمخطط الوطني الشامل.
وكما هو الشأن بالنسبة لواقع النموذج التنموي الذى يتطلب تشخيصا صريحا وموضوعيا للواقع، فإن الاعلام بدوره في حاجة ماسة الى مجهودات مضاعفة، حتى يكون في مستوى تطلعات وانتظارات الرأي العام، وضمان مواكبة اعلامية يقظة، تقطع بشكل نهائي مع أساليب الهواية والدعاية وبالتسلح بقواعد الاحتراف، والفاعلية والمسؤولية، وذلك من خلال تبنى استراتيجية إعلامية مستقلة وذات مصداقية، تستند على ضوابط مهنية وأخلاقية واضحة المعالم، مع توفير المعلومات والمعطيات لنساء ورجال الإعلام، حتى تتمكن الصحافة من أداء رسالتها كاملة.
فالتغيير المنشود في الاعلام، يجب أن يحدث عبر مناهج بيداغوجية، وبواسطة الإقناع، وإقرار ” إعلام الحقيقة”، الذي يتطلب الكف عن التنويم والتعتيم، ولغة الخشب، والتعامل مع المادة الخبرية، باعتبارها كل معطى يساعد الجمهور على التفاعل بكيفية واعية مع محيطه، كما كان يحث على ذلك المرحوم محمد العربي المساري الذي استلهم منه رئيس لجنة مشروع النموذج التنموي الجديد شكيب بنموسى، في إحدى خرجاته الإعلامية الأخيرة. قولته الشهيرة، إن الامر يتطلب تغيير العقليات. بيد أن التغيير، يتعين أن ينطلق من مصالحة المواطنات والمواطنين مع وسائل اعلامهم التي تزيد من أهميتها ما تؤكده التحولات المتسارعة على المستويين الوطني والدولي ويزيد من ذلك الثورة الرقمية وما تطرحه من تحديات، والتأسيس لإعلام متحرر ديناميكي معانق للواقع مستشرفا للمستقبل.
.