هل التعليم يحتاج إلى تجديد أنظمته الأساسية كل مرة وحين؟ لا أعتقد ذلك، فالأمر أكبر وأعمق من ذلك بكثير. لقد تعودنا منذ وزارة محمد الفاسي( 1959) أن كل ما تسميه الوزارة ظلما وبهتانا بالإصلاح، يكون خطوة إلى الوراء في المسيرة السيزيفية لهذا القطاع ، ويكون ضربا لمكتسبات حققها السلف وحرم منها الخلف، والامثلة عديدة ومتعددة، والمنتسبين للقطاع أو المهتمين بقضاياه يحفظونها عن ظهر قلب.
إن أزمة التعليم نابعة أساسا من غياب مشروع مجتمعي مستقبلي يقوم على التوافق والتراضي بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، وليس أداة في يد أحد هذه المكونات يسخره ويوظفه لخدمة تصور معين. فغياب هذا المشروع يجعل فعل المعرفة يتعثر ويجعل بالضرورة العملية التربوية تتعثر بدورها.
قد يقول قائل ان الدولة استطاعت أن تبلور ميثاقا وطنيا للتربية والتكوين، ساهمت في صياغته كافة الفعاليات الحزبية والنقابية والفكرية والدينية، حتى يكون مرآة المجتمع بكل تموجاته … ونحن نقول أن العبرة بالخواتم، فعندما وضع الميثاق ، حدد له سقف زمني لا يتجاوز عشر سنوات ( 2000_2010)لأجرأة كافة دعاماته على مستوى سيرورة الحياة المدرسية لكن للأسف لا شيء من ذلك حصل ولم يعلن لحد الان عن نهاية أجله، مما يثبت عدم جدية الوزارة في التعامل مع ميثاق وطني دعا إليه ملك البلاد المرحوم الحسن الثاني ، واستغرق وقتا غير يسير من الزمن السياسي ،بالإضافة إلى الإنفاق السخي من أجل إنجاح التجربة. فهل تملك حكومة رجال الاعمال تصورا متكاملا ومنصفا وشاملا للخروج من أزمة التعليم او على الاقل الحد من آثارها …؟
إن أزمة التعليم تتجاوز البرامج والمناهج والديداكتيك. إنها أزمة مرتبطة بالمسألة المعرفية وبالتعدد الذي لم يحسم فيه بعد، ومرتبطة كذلك بكون القرارات التربوية العامة تبنى على أساس حسابات سياسية وعلى تعليمات عوض أن تبنى على دراسات، وحتى وان وجدت هذه الدراسات فهي تنجز بناء على توجيهات من مؤسسات دولية او بناء على تجارب مقارنة، ومن أمثلة ذلك: مراجعة نظام الامتحانات… تجربة الأكاديميات…مسألة التكوين المهني والتقني…
إن كل إصلاح حقيقي يروم التربية والتكوين يجب أن يستحضر أولا، المهام الأساسية التي ينبغي ان يضطلع بها التعليم، ونذكر منها على وجه الخصوص:
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية
- _البناء الديموقراطي : تحديث نظام الدولة و السلطة والمشاركة في تدبير وتسبي الموارد العمومية
- _ مسايرة الثورة الشاملة في حقلي العلوم والتكنولوجيا.
كما أن هذا الإصلاح مطلوب منه أن يستحضر تانيا الاهتمام الوافي بدراسات حول مظاهر القلق والضجر والملل التي يعرفها التلاميذ في مختلف المؤسسات التعليمية للوقوف على ظاهرة عزوف التلاميذ عن الدراسة وليس المدرسة: فحضور التلاميذ دون الإقبال على الدرس يؤدي الى ارتفاع منسوب العدوانية والعنف يتحملهما للأسف الأستاذ والإدارة التربية دون غيرهما من مكونات المنظومة التربوية
علمتنا التجربة ان اي إصلاح لا ينطلق من مجموعة الفصل الدراسي باعتبارها مجتمعا مصغرا يستبطن كل قضايا المجتمع الكبرى: النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية…..هو إصلاح مآله الفشل