
نظم نادي الصحافة بالمغرب لقاء إعلاميا حول إشكاليات محتويات مواقع التواصل الاجتماعي بين الحرية والتفاهة مساء الخميس بالمدرج الكبير بالمعهد، وتأتي هذه الندوة بمناسبة اليوم الوطني للإعلام الذي يصادف 15نونبر من كل سنة، و أيضا في إطار تفعيل الشراكة التي عقدها كل من نادي الصحافة بالمغرب والمركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال مع المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.
وقد حضر هذه الندوة أساتذة وطلبة من المعهد وصحافيون مهنيون وفاعلون جمعويون بالإضافة إلى مفكرين ومثقفين كثر كون موضوع النقاش يهم بالأساس الجانب السوسيو-ثقافي ،كذا الاقتصادي والسياسي الذي مهد لظهور ما يسمى بنظام التفاهة في المجتمع المغربي. وكان مشرفا على تقديم الندوة وتمرير الخطاب بين مختلف الأطراف والحاضرين فيها الدكتور جمال محافظ؛ أستاذ مادة التنشيط الإعلامي والرقمي بالمعهد الملكي لتكوين الأطر.
وقد طرحت على طاولة النقاش أفكار عدة كلها تنصب في اتجاه واحد وكلها ترمي إلى بلوغ السبل القويمة والكفيلة بمحاربة ولجم التفاهة التي غدت تغزو بشكل سريع المجتمع، والتي باتت تتبدى أكثر وأكثر على أرضية المواقع الاجتماعية، حيث الكل مؤمن ومتشبث بالحق في حرية التعبير، ولكن لا أحد يسائل نفسه عن الحدود التي يسفر تجاوزها عن خرق القيم العامة وانحلال أخلاقي كبير لا تبرره لا قوانين ولا مواثيق أو حقوق..
بيد أن النقاش كان فرصة للبث في مجموعة من الأفكار التي سلم بها المجتمع منذ مدة طويلة والتي وجدت في الفضاء الرقمي مساحة خصبة أضحت تتفتق فيها باستمرار بلا رقيب أو رادع ؛ومن جملة هاته الأفكار تبرز الصورة السيئة والنمطية التي تنشرها المحتويات الرقمية عن المرأة، وتتمظهر هذه الصورة في كون أن المرأة ليست سوى منبعا للسذاجة والجهل ،وأن لا دور يناط بها ولا قيمة تمنح لها كأداة للفكر وكفاعل حقيقي في تطور المجتمع.
وفي ظل التحولات الرقمية السريعة وتسيد التفاهة للمشهد الإعلامي المغربي تم العروج على مسؤولية بعض المنابر الإعلامية الحرة التي تساهم بأشكال مباشرة وغير مباشرة في امتداد الميوعة والتفاهة بشتى تجلياتها. وتبجيل هذه المنابر للتافهين واعتبارهم مرجعا تسند إليه مهمة تثقيف المجتمع والترفيه عنه حذا بفاعلين جمعويين ومؤسسات أكاديمية مثل المعهد العالي للإعلام والاتصال بشراكة مع مؤسسات أخرى (سلف ذكرها) إلى توقيع عريضة في العاشر من أكتوبر الماضي شعارها:” توقفوا عن جعل التافهين قدوة ونجوما” ، وقد لاقت العريضة فور صدورها تجاوبا واسعا من لدن مواطنين مغاربة من داخل الوطن وخارجه ،حيث عبر كثيرون منهم عن استحسانهم لهذه المبادرة فيما توجس آخرون منها ورفضوا التصويت عنها بدعوى معارضتها للحق في حرية التعبير بل وربطها بنظرية المؤامرة..
وخلال الندوة طرحت زهور أݣرام -وهي أستاذة جامعية في مادة الثقافة الرقمية- تصورها عن موضوع الندوة عبر مداخلة ركزت فيها على خطورة المرجعيات الفكرية التي تتواطؤ ونظام التفاهة، مشيرة إلى أن الخلفيات الفكرية و التعاقد القيمي الذي بات ينظر للتفاهة على أنها أمر عادي ومستحب مادامت تصرف عن الإنسان بعض كروبه وأوجامه (المحتويات الترفيهية) هي في الواقع أخطر ما يمكن للإنسان أن يسلم به. وفي هذا الصدد عبرت الأستاذة زهور أݣرام عن استيائها من الرمزية التي باتت تولى للمؤثرين التافهين من لدن الإعلام الرسمي العمومي، والتي تمنحهم سلطة تشفع لهم إذا ما قدموا أراءهم في قضايا كبرى سواء عن دارية أو عن جهل.
وفي ختام مداخلتها أكدت على ضرورة مراجعة الإنسان لبنيته المفاهيمية وخاصة مفهوم حرية التعبير والكف عن ربطه بالمحتويات المبتذلة التي لا تخدم إلا أصحابها..
وفي مداخلة ثانية تفضل بها الكاتب عبد العزيز كوكاس تم التأكيد بصريح العبارة على أن القوانين وحدها ليست كافية لردع التافهين وكبح انتشار محتوياتهم المسيئة؛ ففي السياسة هناك تافهون، كما في عالم الفن و الصحافة هناك تافهون مقنعون بغلاف العلم والمعرفة، وأشار إلى أن منصات التواصل الاجتماعي هي من منحت لهؤلاء الشرعية ووسعت ظهورهم، حتى غدوا من المفتين للآراء في قضايا كبرى يتحدثون عنها من فراغ. وفي ختام مداخلته أشار إلى أن التربية الإعلامية هي المنفذ الوحيد الذي من شأنه أن يقلل من انتشار المحتويات الرقمية التافهة ؛ والتفاهة كنظام ينبغي التوجه في حملات محاربتها للنظام التعليمي في المدارس ،والإعلام أيضا ،فللتفاهة وسائل دعاية تلمع وتحلل ما يقوم به رواد الفضاء الرقمي من محتويات مشينة.
ومن وجهة نظر فنية سينمائية أبان السيناريست السينمائي عز العرب العلوي وهو أحد المتدخلين في الندوة، عن المعايير التي من خلالها يمكن تصنيف الأعمال السينمائية حسب جودتها ، وأشار إلى أن التفاهة في السينما كما في باقي الحوامل الإعلامية والفنية الأخرى باتت اليوم متعمدة ،والهدف واحد ألا وهو الحصول على أعلى نسب مشاهدة، وبالتالي ربح مادي أكبر.
ولتجنب الخلط بين الصحافي وصانع المحتوى قدم محمد عبد الوهاب العلالي الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال والمسؤول عن ماستر التواصل السياسي والاجتماعي بعين المؤسسة قدم إضاءات حول الموضوع،اعتبر فيها أن الصحافي تحكمه قوانين وقيم وهيئات تحرير وأخلاقيات، عكس صانع المحتوى الذي لم يتلقن لا الأبجديات ولا القوانين التي تحكم مضامين انتاجاته ومحتوياته الرقمية..
واختتمت الندوة التي استمرت حوالي ثلاث ساعات بتعليقات وتعقيبات جمة وجهها جمع من الحاضرين على كافة المتدخلين ومن عهد لهم بإلقاء أرائهم طيلة الندوة ، وكانت فرصة لإصخاء السمع لوجهات نظر تؤيد حينا وتعارض حينا آخر كل ما تم التطرق إليه على مدار 3ساعات من الحوار.