ذبح وطعن وضرب.. سلسلة متتالية من جرائم عنف تعرضت لها فتيات هزت المجتمع المصري وألقت الضوء على ثغرات قانونية واجتماعية تترك النساء عرضة للاعتداءات والمضايقات، حسبما قال نشطاء وضحايا.
كانت القضية الأبرز هي مقتل الطالبة نيرة أشرف، البالغة من العمر 21 عاما، في أواخر يونيو/ حزيران، والتي طُعنت 19 طعنة وذُبحت أمام جامعة المنصورة إلى الشمال من القاهرة. وتبين أن المدان بقتلها، محمد عادل، كان يتعرض لها منذ ما يقرب من عام بعد أن رفضت الزواج منه.
لقي مقتلها تغطية إعلامية واسعة في أنحاء الشرق الأوسط، ولفت الانتباه إلى جرائم عنف أخرى ضد المرأة في مصر. ويجيء تسليط الضوء على الواقعة إثر حملة في أوساط النخبة المصرية عام 2020 للتصدي للاعتداء الجنسي، كانت مستوحاة في جانب منها من حركة (مي تو) الدولية.
ويقول نشطاء إن من الصعب قياس حجم العنف ضد المرأة في مصر، إذ تحوُل المتوارثات الفكرية في كثير من الأحيان دون قيام المعتدى عليهن بالإبلاغ. وثمة اعتقاد أن معظم الحالات لا يتم الإبلاغ عنها.
وسجلت دراسة أجرتها مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة المصرية، وهي منظمة غير حكومية، 813 جريمة عنف ضد فتيات وسيدات وردت في تقارير إعلامية وبيانات صادرة عن النائب العام في عام 2021، ارتفاعا من 415 جريمة في عام 2020.
ويقول محامون وضحايا إن النساء اللائي طلبن مساعدة السلطات لم يتلقينها في أحوال كثيرة.
وقال خالد عبد الرحمن محامي أسرة نيرة أشرف إن عادل كان يلاحقها ويرهبها علنا كما أنشأ حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام صور إباحية معدلة لوجهها وهددها بالقتل في رسائل نصية.
لكنه أضاف أن نيرة عندما قدمت بلاغين بعدم تعرضه لها وأبلغت مباحث الإنترنت برسائل التهديدات، قوبل ذلك بالتجاهل.
وقال: “الإجراءات الخاصة بالمباحث والاطلاع والتحريات وفحص البلاغ وفحص الأكاونت (الحساب) بتطول، بتاخدلها شهرين تلاتة أربعة”. وأضاف أنه لم يتم استدعاء عادل لاستجوابه وتقرر حفظ البلاغ المقدم إلى مباحث الإنترنت.
وأردف: “لو كانت المحاضر دي اتفعّلت تفعيلا قانونيا صحيحا وتم إجراء ضد هذا المتهم مكانتش نيرة اتقتلت”.
وذكر مصدر قضائي مطلع على التحقيقات بقضية نيرة طلب عدم نشر اسمه، أن مسألة إثبات أن هذه الحسابات المزيفة تخص المتهم “أمر في غاية الصعوبة” وأن التحقيقات تستغرق وقتا طويلا.
وردا على طلب التعليق على ما وصفه البعض بالإهمال في تفعيل القوانين التي يمكن أن تحمي المرأة، أشارت النيابة العامة إلى تصريحاتها الرسمية.
كانت النيابة قد ذكرت في بيان صدر قبل محاكمة عادل أنها “تؤكد تصديها الحازم لشتى صور جرائم العنف والتعدي على النفس، خاصة تلك التي تقع ضد المرأة والشباب”. ولم ترد وزارة الداخلية المصرية على طلب التعليق.
طعنات قاتلة أخرى
لم يكد يمر شهران على مقتل نيرة، حتى تعرضت طالبة جامعية أخرى تدعى سلمى بهجت (20 عاما)، للطعن حتى الموت بعد أن تلقت ما لا يقل عن 15 طعنة في مدينة الزقازيق التي تقع بين مدينتي القاهرة والمنصورة. واتُهم زميل لها بقتلها لرفضها الزواج منه.
وفي خضم الغضب الشعبي إثر مقتل نيرة، أدانت محكمة في المنصورة عادل بقتلها مع سبق الإصرار وذلك في غضون أيام من ارتكاب الجريمة. وفي يوليو/ تموز، أيدت محكمة أخرى حكم الإعدام الصادر عليه.
قالت لبنى درويش، مسؤولة ملف النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان في منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن الدولة تحاول أن تضرب مثلا من خلال فرض عقوبات صارمة في بعض القضايا التي أثارت الرأي العام. وأضافت: “لكننا لا نتعامل مع جذور العنف ضد النساء وحجم العنف ضد النساء اللي بيحصل في مصر جوا وبرا البيت”.
وطلبت المحكمة التي أدانت عادل من البرلمان تعديل القانون للسماح ببث إعدامه على الهواء مباشرة.
وترى انتصار السعيد، المحامية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون وهي إحدى منظمات المجتمع المدني المستقلة، أن إحدى المشكلات تتمثل في عدم وجود قانون يجرم العنف ضد المرأة ويمكنه أن يمنع الجرائم قبل وقوعها.
وقالت إن الضغط الاجتماعي على النساء اللواتي يبلغن عن الجرائم ما زال يمثل مشكلة.
اتضح هذا الضغط جليا في حالة ماري مجدي البالغة من العمر 35 عاما، التي أبلغت الشرطة أربع مرات عن تعرضها لاعتداءات بدنية عنيفة من زوجها.
وقالت ماري إنه رغم استدعاء زوجها للاستجواب، لم يُتخذ أي إجراء قانوني في بدء الأمر، وما كان من الشرطة والنيابة إلا عرض الصلح بينهما وحسب.
وضغطت الأسرة على ماري لسحب الشكاوى، لكنها سرّبت هذا العام على شبكات التواصل الاجتماعي لقطات من إحدى كاميرات المراقبة لواقعة تعرضت فيها لضرب مبرح من زوجها، فتحركت النيابة العامة.
أُلقي القبض على زوجها في غضون أسبوع وحُكم عليه بالسجن لمدة عام.
لكن ماري تخشى على حياتها وحياة بناتها بمجرد إطلاق سراحه وتقول: “أنا محتاجة الأمان… أنا حياتي في رعب لما يخرج”.
ولا يمكن لماري الطلاق بحسب قواعد الكنيسة التي تنتمي إليها.
وقال محاميها سعيد فايز: “لا توجد وسيلة قانونية لحمايتها”.