هي واحدة من رائدات العمل الجمعوي في بُعديه الاجتماعي والثقافي، على المستويين الوطني والدولي، هي الأستاذة دنيا القرشي، درست البيولوجيا بجامعة القاضي عياض بمراكش، ثم الصيدلة بجامعة مونبوليي بفرنسا، فالبيولوجيا الدقيقة هذه المرة بين جنبات جامعة يوهانس غوتنبرغ بألمانيا، فالميكروبيولوجيا والجينيتيك بجامعة هامبورغ حيث تقيم منذ عام 1989 وتعمل كإطار بالمستشفى الجامعي بذات المدينة.
الأستاذة دنيا القرشي هي عضو مؤسس ل « لمنتدى الأورومتوسطي للتعاون والتنمية »، ورئيسة « الجمعية الألمانية المغربية للثقافة والتواصل »، إضافة إلى عضويتها بالعديد من الهيئات والمنظمات المدنية الألمانية والأوروبية..
لكن أبى ملاك الشعر والنثر إلاَّ أن يخطفاها من المختبرات العلمية والطبية ليحلقا بها في فضاء الكتابة والنظم.. وطبعا “دنيانا” لم تمانع.. استسلمت لذاك التحليق ولا تزال مسلّمة قياد روحها للمحبرتين معا، وازنة الحضور “دنيانا” ثقافيا واجتماعيا وتربويا بألمانيا والعالم العربي و بلدها الأم المغرب.. غزيرة الإنتاج وإن كان لها إصدار واحد منظوم بعنوان : « عودة الروح »، وهو ديوان فردي فصيح ودواوين أخرى في طريقها إلى النشر.. بينما المنثور الأول هو قيد الطبع، ويتعلق الأمر بدراسة سوسيوثقافية بعنوان : « المرأة المغربية ومسألة التثاقف ».
في هذا الحوار الصحفي، سوف نستكشف عوالم دنيا القرشي الجمعوية، اجتماعيًا وتربويًا و إنسانيًا وثقافيًا، دفاعاً عن حقوق الإنسان في بُعديها الكوني، وعن القضايا المصيرية للمواطن المغربي المقيم بدولة ألمانيا الصديقة والمصالح الكبرى لوطنها الأم المملكة المغربية.
ـ من منطلق كونكِ واحدة من رائدات العمل الجمعوي بألمانيا على وجه الخصوص
وضمن منظومة “مغاربة العالم” بشكل عام..ماهو تقييمك لمردودية المجتمع المدني المغربي بأوروبا؟
في البداية إسمحوا لي أن أتقدم لكم ومن خلالكم لمؤسستكم الإعلامية،
موقع ” لوبوكلاج ” بعظيم الشكر وكبير الامتنان على هذه المبادرة الإعلامية المهنية الوازنة تجاه مغاربة العالم وقضاياهم على المستويين الوطني والدولي . وجواباً على سؤالكم، يجب التأكيد على أنَّ المجتمع المدني المغربي بشتى تصنيفاته و مجالات اشتغاله على مستوى الديار الأوروبية، قد حقَّق العديد من المنجزات الكبرى لصالح الجالية المغربية بشكل خاص والجاليات العربية والإسلامية والإفريقية بشكل عام. وفي ذات السياق وجب التأكيد أنَّ العديد من الأطر المغربية، نساءً ورجالاً، قد استطاعوا الوصول إلى أعلى مراكز القرار داخل مؤسسات دستورية تقريرية وازنة بالعديد من الدول الأوروبية، علاوةً على تقلدهم مناصب حكومية رفيعة وانتخابهم عمداء للعديد من المدن الأوروبية الكبرى.
إنَّ ما وصلت إليه المكونات المغربية داخل المنتظم الأوروبي، جاء نتيجة جملة من العوامل والعناصر، وفي مقدمتها كون أغلب الشخصيات المغربية النسائية والرجالية، انطلقت في بداياتها الأولى من العمل داخل منظمات وهيئات المجتمع المدني، وأثبتت قوتها وفعَّاليتها و قوة مردوديتها، علاوة على اشتغالها داخل الميدان السياسي وتدرجها في مختلف الهياكل الحزبية من منطلق الاستحقاق السياسي وقبلها الكفاءة الأكاديمية والعلمية، وهي نماذج تحفل بها كبرى دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها وفي مقدمتها ألمانيا و فرنسا و بلجيكا و إيطاليا وإسبانيا، وبلدان أوروبية أخرى عرفت ترقِّي المغربيات والمغاربة ووصولهم إلى أعلى مناصب المسؤولية وصاروا من النماذج الراقية وفوق المشرفة للمهاجر المغربي القادر على الاندماج داخل مجتمع الاستقبال، بل والأكثر من ذلك إعطاء قِيَم مضافة وازنة على جميع المستويات، العلمية منها والأكاديمية و المهنية والثقافية والسياسية والرياضية والفنية…
ـ أنتِ رئيسة ” الجمعية الألمانية المغربية للثقافة والتواصل”، هَلاَ تحدثتِ لنا عن مسار هذا المكون المجتمعي، على مستوى التصور..الأدوار والأهداف ؟
في هذا الإطار وجبت الإشارة إلى أنه ومع تطور الأحداث وازدياد أعداد الجالية المغربية الوافدة إلى ألمانيا عامة ومدينة هامبورغ على وجه التحديد، تطورت أهداف الجمعية كذلك وتم تسطير مرامي أخرى مرتبطة بالتعريف بالثقافة والموروث الحضاريين للمملكة المغربية داخل المجتمع الألماني، كل ذلك على مرجعية تقريب البلد الأم لأبنائه، من خلال الاهتمام بالمكونات الثقافية، من عادات وتقاليد مجتمعية وطقوس الاحتفالات بالمناسبات الدينية والوطنية، علاوة عل أهمية وإلزامية الإهتمام بالشباب والأطفال، على مستويي التكوين والتأطير التربوي والثقافي والرياضي والفني ..
و عندما نتحدث عن الجانب الثقافي، لا يمكن إغفال المشاركة الفعالة لجمعيتنا في تنظيم تظاهرة “الأسابيع الثقافية العربية” التي تُقام كل سنة في جامعة هامبورغ، تحت إشراف وزارة الثقافة الألمانية، من أجل التعريف بالمكون التاريخي والثقافي المغربي، والتي أعتبرها شخصيا نافذة تطل من خلالها الأمم على إرث ثقافي وتاريخي خصب وغني للأمة المغربية العريقة، قلَّما تسنح الفرص لتقديمه والإفتخار به في مختلف الملتقيات والتظاهرات الأوروبية والدولية.
إن التحول من جمعية ثقافية محضة إلى جمعية رفعت سقف أهدافها إلى ماهو اجتماعي والنزول إلى الشارع الهامبورغي للوقوف سندا للمغاربة في وضعية صعبة، سواء الشباب المقيمين بطريقة غير شرعية، والوقوف كذلك إلى جانب الشباب الذين وقعوا لسبب أو لآخر في فخ المخدرات والإدمان وكذا شرائح مجتمعية أخرى، وزيارة الشباب في سجون مدينة هامبورغ.. ناهيك عن النساء المعنفات ومحاولة توعيتهم بالقانون الألماني، في أُفق تحقيق وعي قانوني بحقوقهم و واجباتهم، كل ذلك يعتبر من أسمى أهدافنا في سياق القراءة الحقوقية التي تبقى أحد أهم أسس جمعيتنا.
كل هذه الأنشطة وغيرها ساهمت بشكل كبير في تبوأ جمعيتنا لمكانة الريادة في مدينة هامبورغ خاصة وعلى مستوى ألمانيا عامة، بل وأصبحت بابًا لا يُصد ولا يرد في وجه من أراد الإستفادة من خدماتها.
كما أنَّ تنظيم الجمعية للتظاهرات لا يقف عند هذا الحد، بل ومن خلال عقد العزم على ربط الأواصر بين الجالية المغربية ووطنها الحبيب، لا تتوانى عن إشراك المغاربة و مشاركتهم أفراحهم في المناسبات الدينية كشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى على سبيل المثال لا الحصر. فخلال شهر رمضان المعظم يتم تنظيم إفطارات مغربية جماعية ودعوة شخصيات من المجتمع المدني الألماني وممثلي الجاليات العربية والمسلمة الأخرى بالإضافة إلى المغاربة بطبيعة الحال، ومن خلال مثل هذه الإحتفالات لا نفوت فرصة للتعريف بالمطبخ المغربي المتنوع وفخامة الزي واللباس المغربيين العريقين، من أمازيغي وصحراوي وعربي، مع خلق أجواء وآفاق تواصلية مع العديد من ممثلي هيئات المجتمع المدني من دول أوروبية وإفريقية وأمريكية وآسوية صديقة وكذابلدان عربية وإسلامية شقيقة.
وتبقى مشاركتنا لإخواننا المغاربة أفراحهم الدينية يمتد إلى الإحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى، علاوة على الاحتفال بالمناسبات الوطنية المجيدة، وفي مقدمتها ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة التي يُخلدها الشعب المغربي في السادس من شهر نونبر من كل سنة وذكرى عيد العرش المجيد، بل وتنظيم وقفات ومظاهرات من أجل نصرة قضيتنا الوطنية العادلة والمشروعة « الصحراء المغربية » ورفع شعار « المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها ».
ـ إلى أي مدى وصلت درجات التنسيق بين المؤسسة الدبلوماسية المغربية بالديار الألمانية ( السفارة والقنصليات) و هيئات المجتمع المدني المغربي، خدمةً للجالية المغربية بهذا البلد الصديق؟
سؤال جد مفصلي و هام، وأستغل هذه الفرصة لأؤكد على أهمية العمل الدبلوماسي التواصلي الكبير والنوعي الذي تقوم به سفارة المملكة المغربية وكذا القنصليات التابعة لها بألمانيا، خدمةً لقضايا الجالية المغربية وكذا معالجة جميع ملفاتهم ذات الصبغة الاجتماعية و الصحية والتعليمية، إضافةً إلى التنسيق مع مختلف المنظمات والهيئات العاملة في الشأن المدني وكذا تلك التي تلعب دور الوساطة بين المواطنات والمواطنين المغاربة بالديار الألمانية من جهة والمؤسسات والدوائر الحكومية ببلد الاستقبال من جهة ثانية.
وبالنسبة لنا في « الجمعية المغربية للتواصل والتبادل الثقافي »، ومن خلال تسميتها ومرجعيتها ورؤيتها وأدوارها، يتضح جليًا أن تبنِّي آلية ومنهجية « التواصل”، سواء داخليًا أو خارجيًا، يبقى المخرج الوحيد من أجل توحيد صفوف مؤسسات المجتمع المدني المغربي بأوروبا والعالم أجمع.
وفي مايخص مسألة التنسيق بين السفارة والقنصليات مع الجمعيات في ألمانيا، فيمكن الحديث هنا عن ثلاث
مستويات أساسية، نوجزها كالآتي :
ـ توحيد الجهود في جل القضايا الإجتماعية المرتبطة بالجالية المغربية في ألمانيا بسبب استحالة تغطية كل المناطق، وهنا على سبيل المثال يمكن الحديث عن التنسيق في الحالات الإجتماعية المستعجلة كترتيب نقل جثث المتوفين إلى المغرب، وكذلك حالات المختفين والمنقطعة أخبارهم عن عائلاتهم، والوقوف مع الطلبة الوافدين ومساعدتهم على الإستقرار والإندماج، إضافة إلى التوجيه والمصاحبة خلال مسارهم وتكوينهم العلمي بألمانيا .
ـ بعض هيئات المجتمع المدني تساهم بمعية السفارة والقنصليات في تبادل الخبرات في المجالات المعرفية والتقنية والبحوث العلمية بما في ذلك مستجدات الحقل التكنولوجي
» .Know how transfer «
ـ على مستوى القضايا الوطنية، لا يمكن الحديث عن عمل المؤسسات الدبلوماسية (السفارة والقنصليات) دون الحديث عن الدور الفعَّال والمحوري الذي تلعبه هيئات ومنظمات المجتمع المدني المغربي، في هذا الإطار، ونخص بالذكر التعريف بقضيتنا الأولى « الصحراء المغربية » والدفاع عن الوحدة الترابية لمملكتنا الغالية.
وجمعيتنا منذ تأسيسها وبداية اشتغالها، تركز على أهمية تواصل أفراد الجالية فيما بينهم سواء في المدن أو البلدان أو حتى على المستوى العالمي، وإنَّ خلق الشراكات مع جمعيات أخرى وإن كانت أجنبية ولديها نفس الإهتمامات أمر محمود ويمثل شكلا من أشكال التواصل الذي من خلاله ترتفع مردودية العمل الجمعوي للجمعيات المغربية في أوروبا والعالم أجمع، وتصبح أكثر تأثيرا وفعالية على مستويي الترويج للحضارة والثقافة المغربيتين والأهم الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى ومصالح مغاربة العالم بما يتماشى والمقتضيات الدستورية والقانونية لبلدان الاستقبال، في احترام تام وراسخ لقيم التعايش الإنساني والحضاري بين المكونين المجتمعيين لمغربي والألماني.