شهد قطاع غزة، الإثنين، واحدة من أعنف الضربات الجوية الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعدما استهدفت غارة مزدوجة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، وأودت بحياة ما لا يقل عن 20 فلسطينياً، بينهم خمسة صحفيين بارزين وعدد من أفراد الطواقم الطبية والدفاع المدني.
وفقاً لتقصي حقائق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أظهرت مقاطع فيديو بثتها قناة “الغد” لحظة وقوع الغارة الأولى على الطابق العلوي للمستشفى، حيث هرع رجال الطوارئ والصحفيون لتوثيق المشهد. لكن سرعان ما باغتتهم غارة ثانية أصابت الموقع ذاته، ما أدى إلى سقوط قتلى ومصابين في صفوف الصحفيين وعمال الإنقاذ.
وأفادت وزارة الصحة في غزة أن القصف استهدف الطابق الثالث بمبنى الاستقبال في المستشفى، وأسفر عن تدمير جزئي لغرف العناية المركزة والعمليات، مما فاقم أزمة القطاع الصحي الذي يعاني أصلاً من نقص حاد في المعدات والأدوية.
أكدت وكالات إعلامية دولية مقتل المصور حسام المصري (رويترز)، والصحفية مريم أبو دقة (أسوشيتد برس)، والمصور محمد سلامة (الجزيرة)، إضافة إلى الصحفيين معاذ أبو طه وأحمد أبو عزيز. كما قُتل سائق إطفاء من الدفاع المدني، وأصيب سبعة من المسعفين، ثلاثة منهم بجروح خطيرة.
هذا الاستهداف رفع حصيلة الصحفيين الذين لقوا حتفهم في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكثر من 244 صحفياً فلسطينياً، بحسب بيانات نقابة الصحفيين الفلسطينيين.
أدانت مؤسسات فلسطينية عدة، منها حركة حماس والجهاد الإسلامي ووزارة الصحة، ما وصفته بـ”الجريمة المركبة” التي استهدفت المستشفى، معتبرة أن الهجوم يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة لإرهاب الإعلاميين وتدمير البنية الصحية في القطاع.
من جانبها، قالت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إن إسرائيل تتعامل مع الإعلام الفلسطيني باعتباره “خطراً استراتيجياً” يجب القضاء عليه، مطالبة بحماية دولية عاجلة للصحفيين.
على الصعيد الدولي، توالت ردود الفعل المنددة بالهجوم؛ إذ وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القصف بأنه “غير مقبول”، بينما شددت كندا على أن إسرائيل “ملزمة بحماية المدنيين”. كما دعا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إلى فتح “تحقيق عاجل ومحايد”، فيما أكد مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، أن استهداف المرافق الصحية “ينتهك القانون الدولي الإنساني”.
أقر الجيش الإسرائيلي بتنفيذ غارة قرب مجمع ناصر الطبي، وقال في بيان إن “رئيس الأركان أمر بإجراء تحقيق أولي في أقرب وقت”. وأعرب الجيش عن “أسفه لأي إصابة في صفوف غير المتورطين”، مؤكداً أنه “لا يستهدف الصحفيين بصفتهم هذه”.
أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد وصف ما جرى بـ”الحادث المأساوي”، لكنه أكد أن “الحرب موجهة ضد إرهابيي حماس”، مجدداً التزام حكومته باستمرار العمليات العسكرية حتى “إعادة الرهائن إلى الوطن”.
الهجوم على مجمع ناصر يأتي في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر، والتي أسفرت، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، عن مقتل ما يزيد على 62 ألف شخص وإصابة أكثر من 158 ألفاً.
كما تزامن القصف مع تقارير تفيد بأن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر يستعد لمناقشة مقترحات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بوساطة إقليمية، وسط خلافات داخلية متصاعدة بشأن إدارة الحرب.
يمثل قصف مستشفى ناصر نقطة مفصلية في حرب غزة، ليس فقط بسبب ارتفاع عدد الضحايا، بل أيضاً بسبب استهداف الصحفيين بشكل مباشر، وهو ما يثير تساؤلات خطيرة حول حرية الإعلام وحماية الطواقم الإنسانية في مناطق النزاع. وبينما تؤكد إسرائيل أنها ستفتح تحقيقاً، تتصاعد الدعوات الدولية لوقف فوري لإطلاق النار ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.















