يُطرح سؤال وجودي مؤرق: لماذا يتشائم البشر؟ ولماذا يكتئب؟ أهو نقد للواقع ومصارعة له، أم استسلام لحكم القدر الذي يقضي بالموت والشقاء؟
إن القدر أشبه بلعبة معقدة، تفاصيلها عصيّة على الحل، ومع ذلك فنحن مضطرون إلى اللعب فيها، إذ لا مفر منها. إنها ببساطة قصتنا نحن البشر.
قصة تبدأ من سنوات ضائعة، حيث البطل فقد بوصلته قبل أن يكتب سطره الأول. مجرد أن يُحاصر داخل أسوار الحياة يصبح ذلك تهديدًا صريحًا بإفنائه.
لا أريد أن أكون متشائمًا، غير أن جميع السيناريوهات تنتهي عند الجثة؛ جسد غادره ضميره فتحوّل إلى دراما مأساوية. تبدأ الحكاية بخبر وتنتهي بخبر، يا لبشاعتها! أقرب إلى القيء منها إلى السرد، فالدواء لم يصل في الوقت المناسب، والمريض مات على إثر انقطاع صلته بعالمه.
ما العمل إذن؟ أهو القدر أم الضمير الغائب؟
يعرف الناس كيف ينعون الموتى، لكنهم ينسون أن ينعوا الأحياء الذين يذبلون أمام أعينهم. مفارقة قاسية: يعزّون أهل الفقيد، ويتركون الحيَّ يتجرع حزنه بصمت.
أتذكر طفلًا، اسمه يتردد على ألسنة الجيران، لكني لا أستحضره الآن.
كان يسكن في الطابق الرابع قرب درج السطح. كنت أسمع سعال أبيه يدوّي في الليالي، حتى صار علامة شقاء واضحة. ومع ذلك لم يأبه أحد، فالكل منشغل بالعيد، بزخرفة البيوت والحلويات.
مرت الأيام، ولم أرَ الطفل مجددًا. لم أسأل عنه حتى التقيت بجار في الطابق العلوي، فأخبرني أن الأب مات نتيجة الإهمال الطبي.
تذكرت الطفل حينها: ابتسامته البريئة، ملامحه التي ترسم مستقبلًا، لكن إهمالًا طبيًا أنهى حياة أبيه. لم يكن الذنب ذنب الطبيب، بل ذنب منظومة متراخية اعتادت أن تغطي شقاءها بالمظاهر.
فمن قتل الأب وشرّد الطفل؟ إنه الملل، ذاك القاتل الصامت. فقد كُتب على فراشه: “الكلاب لا تموت إلا وهي ترى ضميرها يتمزق















