
تريد أن تؤلف كتابا ؟
لا تعتقد أن المسألة بالغة الصعوبة.
لا تعتقد أن تأليف الكتب مسؤولية الكتاب وحدهم.
إن تأليف الكتب ليس مقتصرا على الكتاب المتمرسين، لأن أي شخص يمتلك فكرة جذابة و أصيلة.. كل من لديه قصة جديرة بأن تحكى يستطيع أن يؤلف كتابا و يخرجه إلى الوجود، بل الى نور العالم، و ذلك لأجل تحقيق المتعة الشخصية، أو لأجل نشر هذا الكتاب و إتاحة قراءته على نطاق واسع..
إن أي شخص.. إن أي إنسان.. أنت و أنا.. نحن جميعاً نستطيع ان نؤلف كتابا و نتخطى جميع المراحل الصعبة، بدءا من مرحلة الكتابة اليومية، والبحث عن الإلهام، و محاولة الكتابة من جديد، و تمزيق الأوراق، و كتابة التدوينات و الخواطر في منتصف الليل أو في الصباح الباكر…
أحيانا تستقيظ في وقت مبكر و رأسك يترنح من الإلهام..
أحيانا تكون نائما و تجول في ذهنك أثناء فترات الحلم فكرة نيرة و عجيبة، قلما تراودك في فترات اليقظة…
عندما تستيقظ و أنت ثمل من الإلهام و تدفق الأفكار، فلا تضيع بتاتا وقتك.. سارع إلى اوراقك و اقلامك، و اكتب ما تيسر لك من الأفكار…
لا تتردد لحظة.. اكتبها !
و الآن، دعني اشاركك الخطوات العملية لتأليف الكتب..
هذه الخطوات سوف ألخصها لك في خمس نقاط رئيسية بفضلها تستطيع أن تؤلف الكتب بطريقة احترافية، مهما كان حجم هذه الكتب، 100 أو 150 صفحة، كتاب متوسط او صغير الحجم، من 70 إلى 80 صفحة..
إن مسؤولية التأليف متاحة لجميع الناس دون استثناء..
إن أي شخص يريد أن يطور النصوص و أن يعمل على تشكيل الافكار الصغيرة لاخراجها الى الوجود بطريقة عظيمة، مطالب بمواصلة قراءة هذا المقال الى النهاية..
إليك الآن الخطوات العملية الخمس لتأليف الكتب.
الخطوة الأولى تتمثل في أن تعرف بوضوح ما ترغب في تأليفه. بمعنى آخر، ماذا تريد أن تكتب.. ؟
رواية، قصة قصيرة، كتاب علمي، كتاب تبسيطي، كتاب في علم النفس أو علم الاجتماع، سيرة ذاتية، ديوان، خواطر..؟؟؟
قبل البدء بالكتابة اليدوية أو الإلكترونية يجب أن تستغرق في جلسات تفكير ذهني عميق في محتوى الكتاب قيد التأليف..
اطرح على نفسك السؤال التالي : لماذا أريد أن أكتب؟ هل من أجل أن أصبح غنيا و مشهورا ؟ ولو أنه في السنوات الأخيرة قلما.. بل ربما من المستحيل أن تجد شخصا اغتنى و ربح ثورة بفضل تأليف الكتب… نحن نعيش تقريباً في عالم اللاقراءة و زمن مقاطع الفيديو…
نحن نعيش في عالم سطحي ضحل و تافه دمر عقول سكانه الادمان على تيكتوك و الانستغرام و الفيسبوك…
الكل منغمس من قمة الرأس إلى اخمص القدمين في الترفيه و اللهو…
لا أحد يقرأ، اللهم نخبة قليلة من المثقفين المناضلين الذين لم ينقطعوا بعد عن القراءة..
و لكن مع ذلك يطرح السؤال : لماذا تريد أن تكتب؟
لتصبح مشهورا ؟
هل يفيدك ما تكتب في تطوير مسارك المهني؟
هل نجاحك في تأليف كتاب ما هو تعبير عن هواياتك و مشاعرك و بناء لهويتك ؟
هل الكتابة طريق الى تحقيق المتعة و وسيلة لمشاركة الشغف المعرفي مع العالم ؟
الخطوة الأولى، إذا، هي أن تعرف بوضوح لماذا ترغب في تأليف الكتب..
الخطوة الثانية تتمثل في تجهيز مساحة العمل، أي ترتيب الفضاء المناسب الذي يساعدك على الاستغراق في التفكير و الكتابة.
طبعا ليست هناك مواصفات مثالية لمساحة العمل، فهناك من يفضل أن يكتب أيضا في الفوضى، و هناك من يفضل أن يكتب في المقاهي، كالكاتب العالمي نجيب محفوظ على سبيل المثال، فطيلة فترة كتابته و مساره الإبداعي كان نجيب محفوظ يكتب يومياً في المقاهي، و خصوصا في مقهى الفيشاوي بالمدينة العتيقة للقاهرة…
إن الهدف من الكتابة واحد، و لكن طقوسها عديدة تكاد لا تحصى..
هناك من يكتب في الفوضى العارمة، هناك من يكتب في الليل، هناك من يكتب في الصباح الباكر، و ثمة أوقات مختلفة للكتابة.. و لكن رغم هذا و ذاك، يجب تجهيز مساحة عمل تساعدك على الاستغراق في التفكير و الكتابة، و تعطيك تلك الدفقة السحرية.. دفقة الإلهام..
الخطوة الثالثة تتلخص في أن تجعل الكتابة جزءا من نظامك اليومي الثابت.. و بالمناسبة، هناك أدباء عالميون كبار تعودوا طوال حياتهم على الكتابة بشكل يومي، مثل إرنست هيمينغواي الذي كتب رائعة العجوز و البحر.. إن هيمينغواي كان يكتب بشكل يومي، و كان يمزق الكثير مما كتبه، و كان أيضا و هذا هو الأهم يتدرب في اوج إبداعه على كتابة صفحة واحدة يوميا،. بما يعني قرابة 300 إلى 350 كلمة كل يوم..
تريد أن تؤلف كتابا ؟
الكتابة يجب أن تدخل في روتينك و نظامك اليومي الثابت، فالكثير من الناس يظنون أن الكتابة إلهام يهبط على الكتاب من السماء..
إن من يظن ذلك مجانب للصواب، متعلق بالاوهام..
إن الكتابة ليست دائما ذلك الإلهام السحري الذي يهبط من السماء. إنها بالأحرى ذاك الاستعداد القبلي لالتقاط الأفكار النيرة، أينما وجدت، و كيفما كانت، و متى كانت بصيرة المشتغل بالكتابة متفتحة..
صحيح أن هناك فترات إلهام يمر بها الأدباء و الشعراء و المفكرون و الفلاسفة.. و لكن تخصيص وقت يومي للكتابة و القراءة، ساعة أو ساعة و نصف أو ثلاث ساعات، أو أقل من ذلك أو أكثر، إن ذلك أمر شديد الأهمية… إن القراءة اليومية الثابتة و المنتظمة هي المصدر الحقيقي و القوي للإلهام و الابداع.
الخطوة الرابعة هي أن تحدد لنفسك أهداف كتابة يومية أو أسبوعية..
ماذا اعني بذلك ؟
بدلا من أن تجلس كل يوم بانتظار ان يهبط عليك من السماء ذلك الوحي الذي ربما يغير رأيه و لا يأتي.. بدلا من إنتظار اشتعال شرارة الإلهام و كتابة عشر صفحات أو عشرين صفحة كل يوم.. عوض كل هذا، التزم بكتابة ما تريد أن تكتبه على فترات متقطعة، و لكن ما يهم أساسا هو الالتزام اليومي بكتابة صفحة واحدة على الأقل، يعني 300 الى 350 كلمة كل يوم، كما كان يفعل الكاتب العظيم و العبقري إرنست هيمينغواي مؤلف رائعة العجوز و البحر.
الخطوة الخامسة لأجل تأليف الكتب تتمثل في أن تكتب دون أن تشغل بالك نهائيا باشكاليات الإصلاح و إعادة التحرير و التشطيب و التصحيح وما الى ذلك..
اكتب و املأ الورقة، و لا تهتم بالتنقيح، لأنه سيأتي لاحقاً..
ختاما، دعني اذكرك بمسألة شديدة الأهمية: إن القاعدة الذهبية للتأليف تتمثل في الالتزام بالكتابة في مواعيد ثابتة بحيث تجعل تركيزك منصبا على الكتابة دون أن تنشغل في الوقت نفسه بالتنقيح، لأن الأمر يحتاج فترة طويلة..
تريد أن تؤلف كتابا جيدا و مختمرا ؟
تمهل.. تريث.. لا تستعجل كثيراً !
ارجع إلى رائعة العجوز و البحر لإرنست هيمينغواي، و التي كتبها في 30 يوماً، وهي رواية تقع في قرابة 150 صفحة.. و لكن هيمينغواي احتاج إلى 11 شهرا لتنقيحها، قبل اخراجها الى الوجود، بل الى نور العالم..