من الإشكالات التي يطرحها موضوع تحديد النفقة سواء في الفقه أو القضاء هو صعوبة تحديد مقدارها. فحينما اشتكت هند بنت عتبة بخل زوجها أبي سفيان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم إعطائه إياها ما يكفيها وولدها من نفقة، فكان جواب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف”.
فالحديث الشريف ترك التقدير للزوجة بأن تأخذ ما يكفيها بالمعروف، وفي ذلك صعوبة في التقدير، خصوصا لو غلب على الزوجة طابع الجشع وأعمى بصيرتها النزاع والشنآن مع والد عيالها.
ومن خلال المادة 781 من مدونة الأسرة نستشف على أن النفقة تشمل الغذاء والكسوة والعلاج، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد ، مع مراعاة أحكام المادة 768 من نفس المدونة التي تدخل في مشمولات النفقة تكاليف سكنى المحضون وأجرة الحضانة.
وعلى الرغم من أن قاضي الأسرة تتوفر لديه آليات اشتغال يتم من خلالها تحديد النفقة بناءا على معايير محددة بالإضافة للاعتماد على بحث مفصل ومدعوم بالوثائق والحجج عن الوضع المادي للزوج وعدد الأطفال وغيرها من المعطيات اللازمة، إضافة لمنحه السلطة التقديرية، فمع ذلك يعتبر الأمر صعبا إلى حد ما بحيث يجب توفير مستلزمات الأبناء مع مراعاة الوضع المادي للزوج. خصوصا وأن الأسعار أصبحت مرتفعة والمتطلبات أضحت أكثر.
فالسكن وحده والذي يعتبر أحد أركان تحديد النفقة قد لا يقوى الزوج على توفيره للأبناء فما بالك بالأكل والكسوة والتعليم وكلها أصبحت منهكة لجيوب كل الأسر حتى إن كان كل من الزوج والزوجة من المأجورين.
وكون حقوق الأبناء على رأس أولويات المشرع فإن الإمساك عن أداء النفقة يعتبر جناية حيث تنص المادة 212 من مدونة الأسرة على أن ” كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول، تطبق عليه أحكام إهمال الأسرة “.
وبعيدا عن المجال القانوني والذي له أهله والمتخصصون به، فقليلا ما نجد في مجتمعنا الآباء أو أولياء أمور الأبناء الذين يستحضرون المودة والمعاشرة التي كانت قبل الفراق أو الطلاق، فالأولى أن يستمر الأب في الإنفاق على أطفاله والتوسيع في ذلك إذا كان وضعه المادي يسمح له، وأن يظل الاهتمام بهذه الفئة الحساسة سواء خلال الزواج أو بعده، فعندما تختل مؤسسة الأسرة ينعكس ذلك على المجتمع.
والأطفال لا يمكنهم الاستغناء عن التزود ماديا ومعنويا من أبويهم أو أولياء أمورهم وهذه إحدى مميزات الجنس البشري، حيث أن صغير الإنسان يكون في ضعف يحتاج معه لوجود من يرعاه، بخلاف الفصائل الأخرى كالحيوانات مثلا حيث يمتلك الوليد خصائص طبيعية وفطرية تكمنه من العيش باستقلالية إلى حد كبير.
وبالتالي فإن الإستثمار في الأطفال والاستقرار الأسري يضمن لنا الرقي والازدهار المجتمعي، هذا الاستثمار يقتضي التفكير في الآليات المصاحبة لحماية الأطفال واستقرار الأسر كالوساطة الأسرية من خلال احداث مراكز اتصال متوفرة للجميع وتكوين متخصصين في مجال الإرشاد الأسري و النفسي لدراسة الظواهر والآفات التي تهدد كيان الأسرة كالعنف المنزلي وإهمال الاعتناء بالأبناء وتربيتهم وتعليمهم والمشاركة في إعداد المناهج الدراسية أو تنشيط الحملات التحسيسية التي تندرج في هذا الباب، فالأسرة المستقرة تعني مجتمعا مزدهرا