هو خالد الجامعي وكفى . لا يُشْبه أحدا ولا يريد أن يشبهه أحد . فريدُ وقته ، ونموذج زمانه. هكذا هي الحياة تقع فيها أشياء تبدو بسيطة ،عادية،لا تثير نظَر، فبالأحرى رأْيَ أحد إلا بعد أن يسمع الناس دَوِيَّها ..كالقنبلة ..حينها يلْتفُّون حولها، وتطفو على السطح التعليقات والتحليلات، والآراء ،والمواقف..
خالد الجامعي بقدْرِ ما كان لا يشبه أحدا ،بقدر ما يتشبّث ،بكل افتخار،بالتشبُّه بوالده بوشتة الجامعي، المناضل الوطني الذي رسم له الطريق، طريق النضال الطويل والشاق. ليس النضال الحزبي، بل النضال الأخلاقي، لأنه لا قيمة لنضال حزبي بدون أن يكون مُرْفَقاً ومُؤْنَساً بنضال أخلاقي، لأن هذا النضال الأخير هو المناعة لانزلاق النضال الحزبي إلى الرذائل والخبائث والسفاهَة والفظاظة..
من هنا أدركت أن مسار خالد النضالي، في كتاباته وفي مواقفه، سيكون شاقّاً ومريرا انطلاقا من عمله المهني، كصحفي، ومن علاقاته الإنسانية، ومن موقعه كقيادي في حزب الاستقلال، وكلها محطات لن يجد، بل لم يجد فيها دائما الرضا والقُبُول رغم ابتسامات التأييد والتعاطف الصفراء من زملاء في المهنة أو في الحزب..لسبب بسيط هو أن هناك مَن يكره مواقفك لأنها بكل بساطة تكون وراء فقدانهم مواقع ومراكز يعضّون عليها بالنواجذ.. ومن المعروف أن هناك من يكرهك ويُبْغضك أشد بُغضاً وكرهاً لأنهم يجدون أنفسهم في مواقفك وكتاباتك حين تنتقد الانتهاز والانتهازيين، والنفاق والمنافقين، والدجل والدّجالين، والسَّفَه والسفهاء..ومثل هذه الكائنات لن ترحم أو تشفق على صديق أو رفيق حين يتمكَّنُون من تحقيق مصالحهم، بل يقلبُون لك ظهْر الْمِجَن ،مثلما يقلبون وجوههم عنك..

كنت أشعر بهذا وأقرأ معانيه وأبعاده حين نكون مع خالد وهو يتحدث معنا، خاصة أن خالد كان يتحدث بدون فرامل كما يقال؛ بدون تحفُّظٍ؛ بدون أفكار مسبقة، لسبب بسيط يتمثل في إيمانه بالحرية، ومنها حرية الرأي. ومن حُسْن أو خُبْثِ الصُّدَف أنه كان رئيس تحرير جريدة “لوبِينيون” ـ التي تعني الرأي بالعربيةـ التابعة لحزب الاستقلال..
ربما كنت واحدا من زملاء وأصدقاء ومعارف خالد الذين قد يكونوا تساءلوا يوماً مع أنفسهم، عن علاقة خالد بحرية الرأي، والعمل في جريدة حزب الاستقلال (باللغة الفرنسية) تحمل نفس الإسم؟ كان هذا السؤال يتردّد بداخلي كلما التقينا بالزميل والصديق خالد..لكن حرارة السؤال سرعان ما تبرد حين نكون معه..حين نتناقش معه ونتبادل الآراء..
حين تكون مع خالد يجعلك تشعر، وهو يتحدث بكل حرية، أنك لا بد أن تكون حرا لكي تمارس الحرية. أما إذا كنتَ خنوعاً، فالحرية لا تُواتِيك..
من هنا كانت له الجرأة ليقول، بمِلْءِ القلَم، لأقوى وزير يعرفه المغرب (الراحل إدريس البصري غفر الله له)كلمتان صغيرتان: “شْكُون أنت.”.؟؟ لم يكد الوزير البصري ينتهي من قراءة مقال خالد الجامعي حتى أمر الصديق معنينو، الذي كان وقتها يشْغل مهمة الكاتب العام لوزارة الإعلام (بعد إلحاق الإعلام بأُمّ الوزارات:الداخلية)..باستدعاء خالد إلى مكتبه ل”تأديبه”..على نزقيته وجرأته ..لا..لا…بل على حريته في …التعبير؛ هو الوزير الذي كان يفتخر أمام وسائل الإعلام الأجنبي بحرية التعبير…

في هذه الأجواء، ونظرا لمعرفتي بالأخ والزميل والصديق والأستاذ خالد الجامعي، ومتابعتي القريبة..تساءلت مع نفسي: لِمَ لا أكتب مقالا في عمودي بجريدة “العَلَم”..وكتبته تحت عنوان “شكُون أنت”؟ ،ونُشر يوم 04 دجنبر 2004. تحمّلت مسؤوليتي وأعددتُ نفسي لِلْأسْوَأ، لأنني كنت أتوقّع منْع مقالي من النشر …وربما طردي من العمل.. لم أخبر أحدا هذا بمن فيهم خالد..وكان مكتبه قريبا من مكتبي ..وسيأتي خالد عندي إلى مكتبي بجريدة “العلم” صباح اليوم الذي ظهر فيه المقال ..عانقني وهو يقول ضاحكا : “مسخوط أنت…أشْنو درتي..” وأضاف :”كيفاش تم حتى تنْشَر مقالك هذا..؟؟؟
هو خالد الجامعي وكفى . لا يُشْبه أحدا ولا يريد أن يشبهه أحد.
رحمك الله أخي خالد حيّاً وميّتا..