مع انتهاء الحرب الباردة أصبحت الديمقراطية هدفا للأمم المتحدة سعت إليه على المستوى القانوني والسياسي ومن خلال المشاركة العملية فطورت مؤسساتها بما يحقق هذا الهدف ، فاضطلع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بدور حيوي في هذا المجال وأنشئت وحدة المساعدة الانتخابية بإدارة الشؤون السياسية بالأمانة العامة، ومجلس حقوق الإنسان ، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية الذي يقدم معلومات في مجالات تعزيز الحوار الديمقراطي، ودعم العملية الدستورية، والنهوض بمؤسسات المجتمع المدني ، وتحسين عملية التسجيل في قوائم الناخبين ، ومساعدة الأحزاب على تنظيماتها. كما أرسلت الأمم المتحدة بعثات بلغ عددها 104 بعثة خلال الفترة 1990 – 2010, وتشارك قوات حفظ السلام التابعة لها في عملية المساعدة الانتخابية…
ما كان لنا أن نمارس الديموقراطية لولا سياسة الفوضى الخلاقة و مشروع الصهيونية العالمية المعلن عنه في “بروطوكولات صهيون ” السرية، و مشروع الماسونية المسمى بالنظام العالمي الجديد، الذي يُصرّف سياساته عبر مؤسساته العالمية، منظمة الأمم المتحدة و صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، والمؤسسات المالية المتفرعة عنه…
من المؤكد أن الديمقراطيات بكل أنواعها عبر العالم ليست إلا مرحلة شاء مهندسوها أن تمر في حياة البشرية لتنتقل إلى مرحلة أصعب وأكثر تعقيدا لا محالة… ذلك أن سياسات أنظمة الحكم في العالم أصبحت تتحكم فيها الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات واقتصاد السوق وليست الحكومات المنتخبة.
إن الدول تراهن على جلب الاستثمار الخارجي ورؤوس الأموال العالمية لإقامة المصانع والشركات ومساعدتها على التوطين فيها… بهذا وقعت في فخ تحكم قوى السوق وتحرير الاقتصاد من تدخلات السياسة ما يجعل الحكومات تستسلم للقواعد المرسومة من الاقتصاد، وعلى هذه القواعد يتوقف نمو الاقتصاد أيضا. التجارة الحرة على مستوى العالم أجمع تنتصر على الديمقراطية في كل رهان لأنها لا تتفق مع أسس الديمقراطية بتاتا، وعلى هذا الأساس فإن تراجع الديمقراطية يعني فقدان الحرية أيضا، فلن ينفع المجتمع برلمان أو غيره من المؤسسات الدستورية، و تبقى صورية للاستهلاك الإعلامي فقط. بينما تذوب الحكومة في دوامة الاقتصاد المعولم والتجارة الحرة، فتفقد سلطتها السياسية وتضعف أمام الشعب بسبب عدم قدرتها على تنفيذ برنامجها الانتخابي كما تتخلى عن الكثير من صلاحياتها الدستورية لمؤسسات أخرى مختلفة – وهذا ما نعيشه منذ عشر سنوات – فكلما تحرّر الاقتصاد من تدخلات السياسة ، تراجعت الحكومة في برامجها الاجتماعية وضعف موقفها لصالح ضغط التجارة الحرة والشركات الكبرى، فزادت معاناة الشعب في الحصول على مقومات العيش الكريم وتحول إلى مجتمع منقسم على نفسه بسبب تلاشي سلطة الدولة على الاقتصاد، و تحولت من دولة التكافل الاجتماعي إلى دولة تعيش تحت مطرقة الاقتصاد المُعوْلم و سِندان التجارة الحرة.
لا شك أن الشركات كيفما كانت، ليست حارسة للمجتمع، ولن تكون كذلك لأنها كيانات تجارية تعمل من أجل الربح، وتخاف خوفا كبيرا من سلاح اسمه المقاطعة من طرف المستهلك. هذه المقاطعة التي تبقى سلاحه الوحيد لإعادة ترتيب الأوراق بما يفيد المجتمع إلى حد ما. ( تجربة مقاطعة منتجات شركة سنطرال و شركة إفريقيا للمحروقات )
انطلاقا من كل هذا وبناء عليه نفهم سبب فقدان الثقة لدى الناخبين في الأحزاب السياسية والحكومة كيفما كان لونها . إنهم يرون السياسيين يرقصون على صفيح ساخن تحته نار شركات كبرى واقتصاد معولم وتجارة حرة، تفرض سياسات حارقة تتعارض مع مصلحة فئات عريضة من الشعب والطبقات الفقيرة والمتوسطة. كما يجري الآن أمام أعيننا منذ أكثر من تسع سنين تكاد تكون عجافا إلا من زخات سحابات عابرة ! ذكرنا سلاح المقاطعة في موضوع المنتجات التجارية فهل يرفع الناخبون هذا السلاح في وجه السياسة ويقررون عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع بسبب فقدانهم الثقة في جميع الأحزاب طولا وعرضا ؟ هل ستصبح المقاطعة شرفا يسعى إليه الشعب الذي فقد الثقة في الأحزاب السياسية والمؤسسات وحتى جمعيات المجتمع المدني التي أضحت جسرا للوصول إلى مواقع في الأحزاب السياسية ويعمل أفرادها سماسرة ” شنّاقة ” في الموسم الانتخابي ؟
لا شك أن الرأي العام والمواطن المتتبع للشأن السياسي أصبح يدرك أكثر من أي وقت مضى أن السياسيين لا يستطيعون التغيير و الرفع من مستوى عيش المواطن، وأن أيديهم مكبلة و وعودهم كاذبة وليست لهم القدرة على المبادرة و تحقيق برامجهم الانتخابية، أو تنفيذ مشاريعهم الاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين في حملاتهم الانتخابية.. التعليم والصحة والتشغيل قطاعات مهمة في حياة الشعب لم يطرأ عليها تغيير ملموس. مرآة ترى فيها الوجه القبيح للحكومات المتعاقبة، ذلك أن الأحزاب السياسية لا يملك زعماؤها الشجاعة لوضع خطة جريئة و تنفيذها لإصلاح التعليم والصحة و النهوض بقطاع التشغيل… هذه القطاعات الحيوية في حياة المواطن لم تشهد إصلاحا جذريا كما كان متوقعا. أو حتى انتعاشا يمكن إن يلاحظه كل متتبع للسياسة العمومية … قطاعات ظلت تعيش الرداءة بكل أصنافها والفساد الإداري كما تعاني منه أيضا قطاعات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي مع وجود بعض الفارق في نسبة الفساد والرداءة.
لم تستطع حكومتا الإسلاميين المتتاليتان أن تقلص الفوارق بين فقراء المجتمع و أغنيائه في زمن حكومي كاف، مدته عشر سنوات ! بل اتسعت الهوة بين الفئتين بشكل ملحوظ واتسعت الهوة بينهما كما تفاقم الأمر في ظل الحكومة الحالية ذات الطابع الليبرالي وسياسة السوق المتحكم في الحياة السياسية، في ظل عولمة متحررة من جميع القيود يؤدي ثمنها المواطن العادي و الطبقة المتوسطة من المجتمع. ما أدى إلى ضعف شديد في القدرة الشرائية لدى أغلبية المواطنين و زادت نسبة البطالة والإجرام… ففقَـد المجتمع البوصلة الأخلاقية، بل يكاد أن يفقد إنسانيته أيضا.
من المؤكد أن السياسيين لا يملكون نفوذا في عالم تحكمه الرأسمالية العالمية و أجندات الليبرالية المتوحشة والتجارة الحرة. عولمة لا ترحم إنسانية المجتمع. و لا شك أنهم أشبه بمجموعة من الضباع التائهة في غابة القرود التي تسلقت الأشجار تأكل من ثمارها، و الضباع تنتظر سقوطها و هي تنط من شجرة إلى أخرى. فلا القرد سقط ولا الضباع يئست و غادرت الغابة و أدركت أنها لن تفترس قردا ما دامت الأشجار تثمر.
إنها سياسة تنتج الفقر و الحرمان رغم الوعود بتحقيق الرفاهية و العيش الكريم في ظل العدالة الاجتماعية والمساواة.
10 / 06 / 2024