في السنوات الأخيرة، أصبح الحديث عن جيل Z – أي المولودين تقريبًا بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من القرن الحالي – أكثر إلحاحًا في النقاشات التربوية والسياسية والاقتصادية.
هذا الجيل، الذي نشأ في عالم رقمي مفتوح، يفرض إيقاعًا جديدًا على المجتمع المغربي، مختلفًا تمامًا عمّا عرفته الأجيال السابقة.
يتميز المغرب بتركيبة سكانية شابة، حيث تشكل فئة جيل Z نسبة مهمة من المجتمع. هذا الجيل نشأ في مرحلة انتقالية جمعت بين قيم تقليدية راسخة من جهة، وتحولات تكنولوجية واجتماعية عميقة من جهة أخرى، خاصة بعد اعتماد دستور 2011 وما تبعه من انفتاح نسبي في المجال العمومي.
جيل Z المغربي يتقن اللغات ويواكب المنصات الرقمية بسرعة، لكنه يعيش هذا الانفتاح في ظل تفاوتات مجالية وتعليمية واقتصادية واضحة.
ففي حين يستفيد شباب المدن الكبرى من اتصال دائم وسريع بالعالم، يواجه شباب المناطق القروية والإقليمية صعوبات في الولوج إلى نفس الفرص، سواء في التعليم أو التشغيل أو حتى في التعبير الرقمي.
لا يمكن إنكار أن جيل Z المغربي هو جيل رقمي بامتياز. فـ TikTok وInstagram وYouTube أصبحت فضاءات يومية للتعبير، للتعلم، وللتواصل.
هذه المنصات منحت الشباب المغربي نافذة مفتوحة على العالم، وسمحت لهم ببناء هويات هجينة تجمع بين المحلي والعالمي.
لكن هذا الانفتاح يصطدم أحيانًا بواقع محافظ أو ببطء التغيير المؤسساتي، مما يخلق فجوة بين طموحات الجيل الجديد وبنية المجتمع التقليدية.
كما أن وفرة المعلومات لا تعني بالضرورة جودة في المعرفة، ما يفتح الباب أمام التضليل وضعف التفكير النقدي لدى البعض.
رغم ارتفاع نسب التمدرس، فإن جيل Z المغربي يصطدم بتحديات معقدة:
جودة التعليم العمومي غير متكافئة،
البطالة في صفوف حاملي الشهادات مرتفعة،
سوق الشغل يعاني من بطء التحديث،
والفجوة بين التعليم وحاجيات السوق لا تزال قائمة.
هذا الواقع يجعل جزءًا من الشباب يتجه نحو الهجرة أو العمل غير المهيكل، فيما يختار آخرون ريادة الأعمال الرقمية كخيار بديل، مستفيدين من انتشار الهواتف الذكية ومنصات التجارة الإلكترونية.
عند مقارنة جيل Z المغربي بنظرائه في مناطق أخرى، تتضح ملامح الاختلاف:
في أوروبا وأمريكا الشمالية، يملك الشباب بنية تحتية رقمية قوية وتعليمًا متطورًا، ما يتيح لهم التأثير السياسي والاقتصادي بشكل أوضح.
في الصين وشرق آسيا، هناك ضغط كبير من أنظمة تعليمية صارمة ورقابة رقمية شديدة، يقابله أداء اقتصادي مرتفع وانضباط اجتماعي.
أما في إفريقيا جنوب الصحراء، فتتشارك عدة دول مع المغرب في البنية السكانية الشابة، لكن المغرب يتفوق نسبيًا في التعدد اللغوي والبنية التحتية، مما يمنحه أفضلية استراتيجية.
بهذا المعنى، يمكن القول إن جيل Z المغربي يقف في منطقة وسطى: ليس في رفاهية الغرب، ولا في انضباط الشرق، ولا في هشاشة بعض الدول الإفريقية. إنه جيل يعيش بين عالمين، ويبحث عن موقعه الخاص في المستقبل.
جيل Z المغربي يملك طاقات هائلة، وقدرة مدهشة على التكيف مع العصر الرقمي، لكن هذه الطاقات تحتاج إلى بيئة مؤسساتية داعمة، تستثمر في التعليم الجيد، وتفتح أمام الشباب أبواب المشاركة السياسية، وتواكب تحولات سوق الشغل.
إنه جيل لا يطلب وصاية، بل يطالب بالاعتراف به كفاعل حقيقي في التنمية الوطنية. وبين الانفتاح الرقمي والواقع المحلي، تتشكل ملامح مغرب جديد… مغرب يصنعه هذا الجيل بطريقته الخاصة.















