- افتتاحية
جو ديفيرسي .. قد تبدو هذا العبارة غريبة ولا معنى لها، وهي في الحقيقة كذلك. لهذه العبارة الغريبة حكاية مسلية.
الحكاية بدأت عندما حضرت امرأة مغربية أنيقة، يبدو عليها الوقار والمال، لكن يبدو أنها لم تنل حظها من التعليم، وخاصة في اللغات الأجنبية، بل لنسمي الأشياء بمسمياتها، ونصفها بالأمية.
هذه المرأة حضرت عيد ميلاد إحدى صديقاتها وهي تحتفل بذكرى مولدها في دولة أجنبية، وبالضبط في دولة عربية، وأرادت أن تهنئ صديقتها في ليلة احتفالها بعيد ميلادها، لكن بدل أن تخاطبها بطريق بسيطة وعادية.
طريقة لا تحتاج التكلف والتصنع والتحايل والرياء، أي أن تخاطبها بلغتها الأم، أي بالعامية المغربية أو باللغة العربية.
خاصة أن النطق أو التعبير عن التهنئة في مثل هذا المناسبات التي تتكرر كل وقت وحين، لا تحتاج إلا لكلمات معدودات، جملة بسيطة نرددها في كل ذكرى ميلاد أبنائنا أو أحد أقربائنا أو أمام أصدقائنا وصديقاتنا.
هذه العبارة البسيطة والعادية وغير المكلفة والتي لا تحتاج لا لتعليم عال ولا لمال وفير، هي: “عيد ميلاد سعيد“.
هذه المرأة المغربية المسكينة أرادت أن تخاطب، أو لنقل أن تهنئ صديقتها بنفس الطريقة، بل بذات اللغة التي سمعت أخريات يهنؤون صديقتها بها، أي باللغة الفرنسية، رغم أنها تجهل كليا هذه اللغة التي فرضها المستعمر على المغاربة، لكن هو التقليد الأعمى الذي لا يجلب لصاحبه أو لصاحبته إلا الاستهزاء و السخرية .
وهكنا اختلطت عليها الأمور وتزاحمت الحروف والكلمات الفرنسية، وبدل أن تقول بالفرنسية،
Joyeux Anniversaire
خرجت الجملة والعبارة التي قلنا في البداية أنه لا معنى لها:
جو ديفيرسي
نطقتها بهذه الطريقة وهي كلها فرح وابتسامة، معتقدة المسكينة أنها تتكلم الفرنسية وأن ما قالته سيسعد، لا محالة، صديقتها المحتفلة بذكرى ميلادها.
هذه العبارة أثارت موجة من الضحك و السخرية بين الحاضرات و الحاضرين، خاصة أن المهنئة بهذه الطريقة الغامضة و الغريبة يبدو عليها الوقار و المال.
لكن هذه العبارة الساخرة خرجت من ذلك الحفل البهيج، ليتداولها الخاص و العام. منصات التواصل الاجتماعي أثارت هي أيضا هذه العبارة ، بل باتت متداولة بين الناس في العديد من الدول العربية و غير العربية.
أنا شخصيا سمعتها في إحدى حلقات البرنامج الإذاعي الشهير ” مورنينغ شو ” الذي ينشطه الإعلامي المتميز مومو بإذاعة ” هيت راديو “.
هذه طريفة من الطرائف التي قد تقع هنا أو هناك في ذكريات أعياد الميلاد، التي نحتفل بها جميعا، سواء كنا صغارا أو كبارا، فقراء أو أغنياء، لأنه لكل منا يوم ” سقط ” فيه رأسه بهذه الأرض أو تلك.
في هذا اليوم نتبادل التهاني و الأماني و التحايا و الهدايا و الكلمات الجميلة التي قد تتحقق و قد لا تتحقق، و لكن نفعل ذلك، تحفيزا للبقاء و الاستمرار و الأمل.
صحيح، أن احتفالنا بهذه الذكرى و نحن صغارا يختلف عندما نتقدم في السن. لأن طريقة الفرح تختلف و الهدايا تختلف و حتى التهاني و الأماني تختلف من سن إلى آخر، و لكن يبقى لليوم رمزيته في حياتنا اليومية.
في ليلة الذكرى، نقدم الحلوى و الشوكولاتة و الهدايا و الورود و نردد بشكل كبير العبارة السحرية ” عيد ميلاد سعيد ” بكل اللغات: بالعامية، بالعربية الفصحى، بالفرنسية ، باللهجة المصرية و حتى بلغة شكسبير.
كنت دوما أتساءل عن هذه الكلمة العجيبة المرتبطة بذكرى أعياد الميلاد ” سعيد “. هل نقصد بهذه السعادة: الأمل أو الصحة أو القوة أو الجاه أو السلطة أو ماذا؟
لا نريد أن ندقق في مفهوم السعادة الفلسفي أو الديني أو الأنثروبولوجي، لأن كل منا يفهم السعادة كما يشاء.
عندما سألنا الذكاء الاصطناعي بواسطة تقنية ” شاط ج. ب. ت “، أجابنا بما يلي: (السعادة هي حالة شعورية إيجابية تعبر عن الرضا والراحة النفسية والسرور الداخلي. إنها حالة تجلب السرور والفرح والراحة للفرد. تختلف تجارب السعادة من شخص لآخر، فالأشخاص يمكن أن يشعروا بالسعادة لأسباب وظروف مختلفة.
قد تكون السعادة نتيجة تحقيق الأهداف والطموحات الشخصية، والعلاقات الاجتماعية الصحية والمتوازنة، والحب والعاطفة، والصحة الجيدة والرفاهية المادية، والقدرة على التحكم في الحياة وتحقيق التوازن بين الأعمال والحياة الشخصية، وممارسة الهوايات والأنشطة التي تحمل متعة وإشراك).
و كيف ما كان الحال، تظل ذكرى عيد الميلاد من الذكريات العزيزة علينا. من الذكريات التي نحتفل بها، سواء بشكل مادي، أي بحضور أصدقاء و صديقات، أو بشكل رمزي، نتذكرها دون أن نحتفل بها لسبب من الأسباب و لكن يبقى الاحتفال و تبقى الذكرى قائمة ما دمنا نحيى على هذه الأرض.
الأسرة تحتفل بذكرى ميلاد أبنائها و بناتها. القبيلة تحتفل بذكرى ميلاد كبيرها. و الشعب يحتفل بذكرى ميلاد قائده. مؤسسة ” لوبوكلاج” الرقمية و الورقية تقول لقائد الأمة المغربية: جلالة الملك محمد السادس ” جو ديفيرسي ” .. عيد ميلاد سعيد … صحة و سلامة و سعادة و رضوان من الله.