تتابع هيئة تحرير موقعنا بقلق بالغ ما يجري في المغرب من موجة احتجاجات متصاعدة، انطلقت من مستشفى أكادير وامتدت بسرعة إلى مدن وقرى متعددة، تحت ما بات يُعرف بـ “ثورة المستشفيات”.
إنها ليست مجرد وقفات عابرة، بل صرخة عميقة تكشف عمق الشرخ بين المغاربة ومنظومة صحية منهكة، تحولت في نظر كثيرين إلى رمز للإهانة بدل أن تكون ملاذاً للكرامة.
الاحتجاج أمام المستشفى ليس ترفاً سياسياً ولا نزوة شبابية، بل هو ردّ طبيعي على سنوات طويلة من التهميش وسوء التدبير. الأرقام الرسمية وحدها تكفي لتعرية الواقع: 1.7 طبيب لكل ألف نسمة، مقابل معيار عالمي لا يقل عن 4.45.
ميزانيات بمليارات الدراهم تُعلن كل عام، لكن المريض المغربي لا يلمس سوى طوابير انتظار لا تنتهي، وأجهزة متوقفة، وأبواب مغلقة في وجه الفقراء والطبقة الوسطى.
إننا أمام حلقة جديدة في مسلسل الغضب الاجتماعي الذي عرف فصوله المغرب في العقد الأخير: حراك الريف، جرادة، زاكورة… كلها كانت صرخات شعبية حول قضايا أساسية: الحق في الصحة، الحق في الماء، الحق في العيش الكريم.
واليوم، ها هي المستشفيات تتحول إلى ساحات للغضب، لتؤكد أن الأزمة لم تعد تقنية أو مالية فقط، بل هي أزمة ثقة شاملة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
سياسة المنع ببلاغات إدارية جافة، كما جرى في تزنيت وطاطا، لن تُسكت الألم ولن توقف المرض. فالألم لا ينتظر الترخيص، والحق في العلاج لا يُختزل في إذن مكتوب. التجربة أثبتت أن القمع لا يطفئ النار، بل يزيدها اشتعالاً.
إن هيئة التحرير تعتبر أن ما يحدث اليوم ناقوس خطر مدوٍ يستوجب من السلطات وقفة شجاعة مع الذات: إصلاح جذري للقطاع الصحي، إعادة الاعتبار للمستشفى العمومي، استثمار فعلي في الأطر الطبية والتجهيزات، ووضع حد لهيمنة منطق التجارة على حساب آلام المواطنين.
فالصحة ليست امتيازاً يُمنح، بل حق أساسي من حقوق الإنسان. وإذا لم تُدرك الدولة هذه الحقيقة، فإن “ثورة المستشفيات” قد تتحول إلى حركة اجتماعية وطنية عارمة، يصعب احتواؤها بالمسكنات التقليدية.
إننا في هيئة التحرير نؤكد أن الكرامة الصحية خط أحمر، وأن مستقبل الاستقرار يمر عبر ضمان هذا الحق البديهي. وإلا، فإن التاريخ قد يسجل أن تجاهل صرخات المستشفيات كان الشرارة لزلزال اجتماعي أكبر.















