كنت قررت ألا أكتب عن الشأن التونسي. والسبب سؤال سخيف أواجه به كلما كتبت رأيا لا يعجب البعض، وهو “أش مدخلك فينا، تلها ببلادك”. أما إذا كان منسوب السفاهة لدى الشخص مرتفعا فيزيد كلمات يستقيها من قاموس “الشيخ الكافي” رحمه الله وقصيدته الشهيرة.
ولا يسألنني أحد عن هذه القصيدة، فهذه صفحة “طاهرة وحتفضل طاهرة”.
ولكن .. ماذا نفعل ونحن نحس بأننا معنيون جميعا بما يقع في هذا البلد الصغير حجما الكبير بتاريخه وأحداثه. ماذا نفعل والبلد كتب عليه أن يكون أول مختبر للديموقراطية في العالم العربي وعليه عقدت آمال كبيرة. أضف الى هذا كله ان ما يحدث هو فعلا “شيء ينطق”!
دعك من الحرية والديموقراطية ونقيضيهما من القمع والاستبداد فذاك ليس موضوع التدوينة. لكن موضوعها هو “الغباء السياسي” أو “كيف تخصي نفسك وانت تحسب انك بذلك تغيظ زوجتك”.
“وإليكم التفاصيل” كما في عنوان كتاب الصديق والزميل محمد كريشان:
– في بضعة شهور بدد صاحبنا رصيده من الدعم الشعبي والسياسي الذي كان يحظى به.
شعبيا سرعان ما اكتشف الناس أن خطاب “البطاطا بميتين مليم” هو مجرد وهم باعه لهم شخص ربما لا يعرف ان الاسعار في السوق هي نتاج طبيعي لعلاقة معقدة بين الانتاج والاستهلاك والاستقرار السياسي وغيرها.
سياسيا كانت له قدرة خرافية على تبديد رصيده مع حلفائه. كل الأحزاب والمنظمات التي تحالفت معه في البداية إما انفضت عنه نهائيا ونفضت يديها منه، أو على الأقل أبدت تململا. واكتشف الناس أنهم خسروا الحرية التي كان بلدهم رائدها في جغرافية عربية بائسة دون أن يربحوا ما وعدوا به من حسن تدبير واقتصاد.
– أي دكتاتور شبه ذكي كان سيضم اليه الأحزاب التي تسانده، وكان سيفتح حوارا مع منظمة نقابية قوية…. وهذه من أبجديات السياسة . لكن صاحبنا لم يفعل فخسر داعميه في بضعة أشهر.
– بمنطق السياسة، تحتاج قدرا كبيرا من سوء التقدير حتى تفكر في محاكمة رئيس سابق للبلاد يحظى باحترام دولي كبير وسمعته تسبقه مناضلا ورئيسا نظيفا لم يسرق ولم يستغل المال العام ولم يستعمل موقعه لفائدة المقربين منه، بله أن يصدر القضاء حكما بسجنه. وبالمنطق نفسه فهذا الحكم سيجلب إدانة دولية لنظامه السياسي والقضائي. وما من
دولة تحترم نفسها ستقبل أن تسلمه رئيسا سابقا حوكم في إطار سياسي. ولو أن الرئيس السابق عاد الى تونس لأوقعهم في حرج لا حد له . فاعتقاله سيجلب للحكام بأمره الادان، وتركه يعني ان الحكم القضائي كان سياسيا من البداية.
– أي دكتاتور يتمتع بقدر متوسط من الذكاء ماكان ليمنع التأمين الصحي عن نواب في البرلمان الذي اتخذ قرارا بتجميده. ويتركهم عرضة للموت. فما سيلحقه من أذى سياسي ليس بأقل مما سيلحقهم من أذى صحي. وهنا لاداعي للحديث عن ” السقوط الأخلاقي” الذي يؤذن بالسقوط السياسي.
– بعض الذكاء والحصافة يمنعك من اعتقال وزير سابق للعدل ، بدون تهمة وبدون إعلان واضح للأسباب. كما كان سيمنعك من قبل من وضع سياسيين تحت الإقامة الجبرية ورفعها فيما بعد عنهم دون أن يعرف أحد لماذا فرضت ولماذا رفعت.