جاءت كلمة السيدة إلهام لهراوي، مديرة وكالة الإشهارات والحلول الرقمية بالشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة المغربية، خلال المناظرة الوطنية الأولى للإشهار، لتُقدَّم في قالب خطاب استشرافي يفيض بالتفاؤل و اللغة اللامعة عن الإبداع و الابتكار ودور الإشهار في التنمية الاقتصادية. غير أن جوهر الخطاب، في الواقع، لا يعكس حقيقة المأزق الذي يعيشه القطب العمومي في هذا المجال الحيوي.
فمنذ سنوات، يعيش الإعلام العمومي عجزًا واضحًا في استقطاب الإعلانات و تحقيق موارد مالية قارة، على الرغم من الإمكانيات الضخمة والبنية التحتية الواسعة التي يتوفر عليها. و يكاد هذا الفشل يكون بنيويًا، ناتجًا عن ضعف في الرؤية التسويقية، و غياب استراتيجية تنافسية، و تراجع الثقة لدى المعلنين، في وقت استطاعت فيه مؤسسات إعلامية خاصة و رقمية أن تفرض وجودها في السوق الإشهارية بمرونة و حرفية عالية.
إن ما دعت إليه السيدة لهراوي من توحيد الإشهار في وكالة واحدة تحت مظلة القطب العمومي، يُطرح في هذا السياق كخطوة “إصلاحية”، بينما هو في جوهره محاولة لتغطية الفشل الذريع في تدبير الإشهار داخل المؤسسة الأم. فبدل تقييم أسباب الضعف و تقديم حلول عملية، يتم اللجوء إلى خيار “المركزة” الذي قد يُحوِّل الأزمة إلى فشل موحد ومركب.
إن هذه المبادرة تُثير تساؤلات جوهرية: كيف يمكن لمؤسسة لم تنجح في تدبير الإشهار داخليًا أن تنجح في تدبيره بشكل موحد على صعيد كل الوسائط العمومية؟ و هل التوحيد هدفه فعلاً تحقيق النجاعة و الشفافية، أم أنه استحواذ مقنّع على مجهودات مؤسسات أخرى استطاعت أن تحقق نجاحًا فعليًا في هذا الميدان؟
الحقيقة أن النجاح في الإشهار لا يُبنى بقرارات فوقية أو بهياكل جديدة، بل بإصلاح شامل لطريقة التفكير و التدبير، و بخلق الثقة بين الإعلام العمومي و المعلن الوطني. فالإشهار ليس مجرد “مداخيل مالية”، بل هو انعكاس لمدى جاذبية المحتوى الإعلامي، و مرآة لسمعة المؤسسة و مصداقيتها في أعين الفاعلين الاقتصاديين.
إن توحيد الإشهار لا يجب أن يكون توحيدًا للفشل، بل بداية مراجعة حقيقية لسياسات القطب العمومي، الذي يحتاج إلى تجديد فكر إداري و تسويقي أكثر مما يحتاج إلى إنشاء وكالات جديدة تحمل أسماء لامعة و مضموناً فارغاً.















