في المغرب، حيث تتقاطع السلطة بالقضاء والإعلام، تثير قضيتان حديثتان الكثير من الأسئلة حول مفهوم المساواة أمام العدالة وحدود حرية التعبير. الأولى تخص الأمير مولاي هشام العلوي، الذي تقدم بشكاية ضد الناشط الفيسبوكي رضا الطاوجني بتهمة المساس بشرفه وكرامته، وحضر شخصياً إحدى جلسات المحكمة الابتدائية بالرباط، في مشهد نادر الحدوث داخل المشهد القضائي المغربي. أما الثانية فتتعلق بوزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي رفع خمس شكايات ضد الصحافي حميد المهداوي بتهم التشهير والقذف، دون أن يحضر أياً من جلسات المحاكمة بنفسه، مكتفياً بتوكيل دفاعه القانوني.
بين الحضور الملكي والغياب الوزاري، تتكشف مفارقة رمزية عميقة: فالأمير الذي لا يحمل صفة تنفيذية في الدولة اختار أن يواجه القضاء حضوراً واحتراماً للمؤسسة، بينما الوزير الذي يفترض أن يكون حارسها الأول، اكتفى بالمتابعة من بعيد. لا يتعلق الأمر هنا بترتيب بروتوكولي أو حساب سياسي، بل بسلوك يحمل دلالات أخلاقية حول العلاقة مع القضاء والرأي العام. فحضور مولاي هشام إلى المحكمة بدا، في نظر كثيرين، رسالة في احترام العدالة كمؤسسة مستقلة، في حين أن غياب وهبي فُسّر كاستهانة أو ترف إداري لشخص في موقع سلطة.
من الناحية القانونية، يتيح القانون المغربي للمدعي أن يُمثل بمحامٍ دون حضور شخصي، لكن في القضايا ذات الطابع الرمزي أو المرتبطة بحرية التعبير، يصبح الحضور أو الغياب فعلاً سياسياً بامتياز. فالقضية لا تدور حول شتيمة أو منشور، بل حول فلسفة التعامل مع الكلمة في بلد لا يزال يوازن بين إرث الرقابة وطموح الانفتاح. استخدام قانون الصحافة والنشر في هذه القضايا كان من المفترض أن يشكل حماية لحرية التعبير، غير أن اللجوء إلى المتابعات الجنائية، كما في حالة المهداوي، يعيد الجدل حول استعمال القضاء كأداة ضغط على الأصوات المزعجة.
الاختلاف بين الأمير والوزير يكشف كذلك عن مفارقة في الممارسة: الأول يتعامل مع النقد الشخصي بمنطق المواجهة القانونية الشفافة، والثاني يوظف آليات الدولة في مواجهة صحافي ينتقد أداءه السياسي. إنها صورة مصغّرة عن التفاوت في القوة أمام العدالة، وعن الطريقة التي تُدار بها العلاقات بين السلطة والكلمة في مغرب ما بعد دستور 2011. فحين يصبح حضور الأمير إلى المحكمة حدثاً نادراً، وغياب الوزير عنها أمراً عادياً، يمكن القول إن المشكل ليس في النصوص، بل في ثقافة ممارسة السلطة.
إن ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من القوانين لتأطير الكلام، بل قدراً أكبر من الشجاعة لتحمل تبعاته. فالديمقراطية لا تُقاس بعدد الشكايات المرفوعة ضد الصحافيين أو الناشطين، بل بعدد المسؤولين القادرين على مواجهة النقد من دون اللجوء إلى القضاء. حضور مولاي هشام إلى المحكمة كان موقفاً في حد ذاته، وغياب وهبي كان أيضاً رسالة — لكن إلى أي جهة؟ هذا ما سيجيب عنه التاريخ أكثر من المحاكم.















