د. مهدي عامري (المادة الفكرية والمعرفية)
– محمد المريبطي (إدارة الحوار)
– أحلام غجو (الكتابة و التوضيب)
محمد المريبطي. السلام عليكم و مرحبا بكم في هذا الدرس التفاعلي الجديد مع الأستاذ الدكتور مهدي عامري. نرحب بكم مرة أخرى في فضاء إيزا أكاديمي، ونحن حريصون على تقديم المحتوى التعليمي الهادف بشكل تفاعلي وبتركيز كبير، ليبقى النقاش دائما مفتوحا عبر صفحتنا بالفيسبوك.
درس اليوم بعنوان تغلب على الخوف، في ثلاثين دقيقة وثلاثة محاور:
المحور الأول : “ماهية الخوف “، ثانيا : ” كيفية التعامل مع الخوف”، و ثالثا : “أدوات ومهارات التخلص من الخوف”.
أشرنا في درس سابق حول التعليم والقراءة في عالم متغير أننا نعيش طفرة تاريخية كبرى جراء التحولات المعرفية العظمى الحالية، المتاحة في كثير من الأحيان بالمجان. و لقد أشار الأستاذ عامري أن هناك مهارات جديدة قد تكون في بعض الأحيان أساسية ومهمة سواء في الحياة العملية أو الحياة الشخصية و تسمى هذه المهارات “المهارات الشخصية” ودرسنا اليوم نموذج ملموس وحي لهذه المهارات.
لعل كل واحد منا و في كل أنحاء المعمور يعرف شيئا اسمه الخوف. وحينما نفكر في الخوف نعلم أنه شيء غير ملموس، له ارتباط بالقلب أو بالعاطفة. وأذكر هنا فقط مقولة لنابليون هيل :
بمعنى أن الخوف هو لا شيء سوى حالة ذهنية. و هنا أترك الدكتور مهدي عامري ليقدم لنا تعريفا للخوف.
د. مهدي عامري. شكرا جزيلا صديقي محمد المريبطي على هذه الاستضافة الجميلة، وتحية مودة صافية إلى جميع الحاضرين في هذا اللقاء. تحية أيضا إلى ايزا أكاديمي التي ننظم لفائدتها سلسلة اللقاءات التفاعلية والتي نحاول من خلالها أن نقدم لكل شغوف بالمعرفة المحتوى التعليمي الهادف .
جيد جدا… أكيد أن إثارة هذا الموضوع على درجة كبيرة من الأهمية، باعتبار أن الخوف يتجسم و يتجسد في جل مناحي حياتنا اليومية. هناك أنواع من الخوف. الخوف من الفشل، الخوف من عدم الإنجاز، خوف التلاميذ أو الطلبة من الإخفاق في مسارهم الدراسي، في العملية التعلمية. الخوف يلازمنا في جميع مناحي الحياة..
لعل التعريف البسيط الذي يمكن أن نقدمه حول الخوف هو أن الخوف حالة طبيعية و بيولوجية ونفسية تشعر بها جميع الكائنات. فجميع الكائنات الحية تشعر بالخوف. و لعل الخوف عند الإنسان مغروس في فطرته ومنذ ولادته، لكن ما يمكن أن نقوله أو نضيفه هو أن نسبة الخوف تختلف من شخص إلى آخر.
هذه مسألة أولى نود أن نركز عليها.
مسألة ثانية، هي أن الخوف يختلف تبعا لاختلاف الظروف والبيئات والعمر ونوع الشيء الذي يسبب الشعور بالخوف.
يمكن أن نضيف أن هناك أنواعا كثيرة من الخوف تختلف في قوتها، في نوعها و في تأثيرها.
هناك خوف حميد.. هناك خوف غير مرغوب فيه.. هناك خوف تحفيزي.. هناك خوف يدفعك إلى الأمام. هناك أنواع من الخوف.
أما بالنسبة لأعراض الخوف فهناك مجموعة كبيرة من هذه الأعراض:
أعراض الخوف التي تظهر على الجسم عند الشعور بالخوف، و من ضمنها على سبيل المثال الحركة الزائدة، عدم القدرة على التحكم في النفس، الغضب السريع، الانفعالات القوية، الاضطراب في نبضات القلب، الشعور بالإرهاق والإجهاد والضعف العام في الجسم، كثرة الإفرازات العرقية في جميع أنحاء الجسم في مراحل متقدمة من الخوف، الإصابة بالإسهال أو عسر الهضم، العجز عن تناول الطعام والشراب، برودة الأطراف، ارتفاع مستوى هرمون الأدرينالين أو الكورتيزون في الجسم، الشعور بالغثيان والدوار وصعوبة في التنفس وما إلى ذلك.
هناك أيضا ما يسمى بـالرهاب الاجتماعي، الخوف من الأجانب ، الخوف من الأماكن المتسعة أو المغلقة، الخوف من العناكب، من العقارب، من المرتفعات، من ركوب المصعد، و الخوف الاجتماعي. و في هذا النوع من الخوف، على سبيل المثال، يشعر المصابون بالخوف من مقابلة الناس و من الظهور أمام الملأ . يشعرون بخوف شديد من انتقاد الآخرين لهم. هناك أيضا الخوف من الحيوانات. على سبيل المثال، هذا النوع من الخوف يظهر في مراحل عمرية مبكرة. هناك أيضا الخوف من المرض أو الأطباء و الخوف من تناول الأدوية. هناك اذا عدة أنواع من الخوف.
محمد المريبطي. شكرا لك د. مهدي عامري. ننتقل الى المحور الثاني من درسنا التفاعلي و نشير الى مقولة لأحد خبراء علم التنمية الذاتيةو هو الدكتور فرانكل. و لعل الدكتور فرانكل من الأشخاص الذين عرفوا الخوف و جربوه بقوة حيث أمضى أوقاتا صعبة و مريرة في السجون النازية. يقول الدكتور فرانكل :.
يعني أنه بين الإثارة والاستجابة ، هناك مسافة. في هذه المسافة لدينا القدرة على اختيار الرد وفي ردنا يكمن كبرنا أو نضجنا و حريتنا.
انطلاقا من هذه المقولة يبرز أن قوة الإنسان في الرد نابعة أساسا من الشعور.
هناك مثلا الشعور بالخوف، و الأهم منه كيفية و طريقة الرد. ان الحديث عن الخوف يجرنا للحديث عن ما يسمى بالعقل العاطفي أو القلب موازاة مع العقل. وسنحاول في المستقبل التطرق لهذا الموضوع. باختصار نشير أن العقل العاطفي له ارتباط بإنتاج هرمونات معينة هي التي تحرك الفعل داخل أجسادنا. مثلا خلال مواجهة خطر ما فان الوجه يصفر ونبضات القلب تتسارع لكي يتدفق الدم إلى عضلات الجسم المكلفة بالهجوم أو الفرار، و هذا هو الخوف الحميد أو الخوف الإيجابي الذي أشرت اليه، وقد يكون سلبيا حيث يشل الفعل.
سؤالي لك الآن : كيف يمكن أن نتعامل مع الخوف السلبي ؟
د. مهدي عامري. من أجل أن نتعامل مع الخوف، هناك عدة طرق، ولكن قبل أن ننتقل إلى الطرق والأساليب والمهارات يجدر بنا أن نتعرف في البداية على ماهية الخوف، وأن نفهم الخوف، حتى نستطيع فيما بعد في مرحلة ثالثة أن نتعامل معه. فمن أجل أن نفهم الخوف يجب أن نستوعب ما يحدث لدى الشخص الخائف عندما يصبح مرتبكا.
هذه هي النقطة الأولى.. استيعاب ما يحدث لدى الشخص الخائف عندما يصبح مرتبكا.
من الطبيعي أن أي شخص في هذا العالم و في ظل هذا الوباء الذي نعيشه، في جميع دول العالم و في الأشهر الأخيرة، كانت له عدة أسباب تدفعه سواء كان يافعا أو كبيرا أو صغيرا الى الاحساس بالخوف. هذه الأسباب يتداخل فيها الاقتصادي والاجتماعي و المعرفي و التواصلي.. يجب أن نستوعب ماذا يحدث مع الشخص الخائف عندما يصبح مرتبكا . بمعنى آخر هل يتسبب هذا الخوف بالنسبة لهذا الشخص بقلق شديد أو بهلع؟
هل هذا الشخص مستوعب أن خوفه أحيانا خوف غير منطقي؟
وهنا سوف أفتح قوسا وأشير إلى أنه ارتفع بشكل صاروخي عدد الأشخاص الذين كنا نقابلهم ومازلنا نقابلهم في الحياة اليومية و أرواحهم تمتلئ بخوف يصل الى درجة الوسواس القهري من الوباء .
هناك مصادر للخوف تختلف حسب طبيعة الشخص و حسب مزاجه و حسب تربيته و أيضا حسب معتقداته و حسب تنشئته الاجتماعية. يجب أن نفهم أيضا الأعراض التي تختلف من شخص إلى آخر في حالة الخوف. هناك مثلا شخص ما يشعر في المقام الأول بتسارع ضربات القلب أو صعوبة في التنفس أو يصاب بالدوخة أو التعرق. هناك أشخاص آخرون في حالة متقدمة يشعرون ربما بحاجة إلى الفرار، إلى الانفصال عن المجتمع، أو ربما تتملكهم رغبات الانتحار…
محمد المريبطي. أستسمح على المقاطعة .هل المقصود هنا أنه لكي نتعامل مع الخوف يجب أولا أن تكون لدينا حالة من التقبل بوجوب الخوف كشيء طبيعي ومعرفته… هل هذا ما تقصده ؟
د. مهدي عامري. نعم هذا هو المقصود تماما، أي قبل أن نتعامل مع الخوف يجب أن نتقبله ويجب أن نفهمه كما يجب أيضا أن نتعامل مع الخوف بتحديد المخاوف والاعتراف بها.
ما معنى ذلك؟
معنى ذلك أن تسمي مخاوفك، أن لا تطلق أحكاما على مخاوفك.
هناك مثلا، الخوف الذي يرافق بعض المترشحين في مباريات التشغيل و هو خوف إيجابي. لكن ينبغي أن يكون هذا الخوف غير مبالغ فيه وينبغي أن يتم التحكم فيه. ان كبار الممثلين المسرحيين عندما يصعدون إلى خشبة المسرح فإنهم يشعرون بالخوف…
انهم يشعرون بالخوف الذي يترجم أحيانا بمغص في المعدة ، بالتعرق و بالتوتر. هذا النوع من الخوف ينبغي السيطرة عليه… ما هي المصادر الرئيسية التي تدفع شخصا ما إلى الخوف؟ هل هي أشياء واضحة مثلا كأن تكون ماشيا في طريق معينة و يصادفك ثعبان في الطريق؟ هذا مصدر مادي و ملموس..
هل المصدر غير مادي ؟ الخوف من الفشل مثال على ذلك. انه مجرد إحساس نفسي غير مادي و غير ملموس. يجب أن نفهم مثلا هل يجعل الخوف طالبا يظل في السرير بدلا من النهوض والذهاب لحضور مادة يخشى الرسوب فيها ؟ هل يجعل الخوف شخصا آخر يتجنب زيارة أهله في بلد ما و ركوب الطائرة لرؤيتهم؟ هنا مثلا لدينا نوع دقيق جدا من الخوف و هو الخوف من ركوب الطائرة.
مسألة أخرى دائما في باب التقبل و هي أن يتصور الشخص الخائف النتيجة التي يتمناها أو النتيجة التي يصل إليها. إن لم يخف فهذا يعني أنه تحكم في في خوفه.
في سياق آخر تشير العديد من الدراسات إلى أن الخوف من التحدث أمام الجمهور هو خوف شائع، وربما هناك العديد من الناس حسب الإحصاءات يخافون من التحدث أمام الجمهور أكثر من خوفهم من الموت .و في هذا الإطار هناك مجموعة من التقنيات والخطوات البسيطة للتصدي للخوف أو ما يسمى بالخوف من التحدث أمام الجمهور.
أولا. يجب أن يتوصل الشخص الخائف إلى مصدر هذا الخوف. هل هو الخوف من حكم الناس عليه؟ هل هو الخوف من ارتكاب خطأ أو من عدم الكفاءة؟ هل هو الخوف من نقص في القدرات التعبيرية؟ نورد هنا مثال الممثل في المسرح الذي يعتمد عمله على ما يملكه من قدرات صوتية و بدنية. هل هذا الممثل خائف من حسن الأداء أو عدمه؟ هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية هي كيفية مواجهتك للمخاوف. فإذا كانت ركبتاك مثلا ترتعدان خوفا فيجب أن نتذكر هنا أن الخوف ليس إلا مؤشرا كاذبا وغير حقيقي لشيء متخيل. أنت ممثل مسرحي. تخيل أن الجمهور سوف يرفضك و لن يستمع إليك… هذا النوع من الخوف يجب أن يدفعك لمشاهدة أقصى عدد ممكن من الأعمال المسرحية الرائعة لاكتساب ثقة هائلة في النفس و التخلص من الخوف.
النقطة الثالثة هي أن الخوف سيسيطر على حياتك إن ظللت جامدا و لم تفعل شيئا.
ان ما تخافه هو في حد ذاته أداة لمحاربة هذا الخوف. و نعطي هنا مثالا بسيطا جدا. الشخص الذي يخاف من ركوب الطائرة يجب أن يعجل بركوبها حتى يتخلص فعليا و عمليا من هذا الخوف.
و الآن أعرفكم على مجموعة من التقنيات لمواجهة الخوف.
أول تقنية هي تمييز الاعتقادات الخاطئة. لقد برمجنا جميعنا منذ الصغر على الخوف انطلاقا من تحذيرات معينة. إياك من الغرباء . إياك من الظلام. إياك من القيل والقال. إياك من الآخر . نحن نعلم أيضا أن جان بول سارتر يقول (الجحيم هو الآخر). فالآخر هنا هو نظرة الناس ونظرة المجتمع ككل. ان هذه التربية التي تلقيناها ليس فقط في المغرب بل في جميع الدول العربية هي تركيبة غريبة و مفزعة من الخوف والاحتياط.
ان أول خطوة للتخلص من الخوف في مجابهة هذه المعتقدات وتمييزها و ومحاولة غربلتها يجب أن تبدأ بالتعرف على الاعتقادات الخاطئة. ان الكثير من المخاوف تنبني على اعتقادات غير صحيحة أي على اعتقادات ناتجة عن التفكير في الكوارث، اعتقادات ربما ناتجة عن الوراثة …
فعندما ترى عنكبوتا أو ثعبانا على سبيل المثال قد تظن بشكل تلقائي أن ذلك الكائن المزعج أو الحيوان المزعج سيقوم بإيذائك و هذا معتقد خاطئ يجب أن نتخلص منه.
أدعوك الآن أن تجرب التعرض تدريجيا لما تخشاه… جرب التعرض تدريجيا لما تخشاه. المثال الواضح الجميل الذي تناولناه قبل قليل هو مشكل أو مثال الطائرة. إذا كنت تخاف من ركوب الطائرة يجب أن تصعد إلى الطائرة فجرب التعرض لما تخشاه .
النصيحة أو الخطوة الثالثة هي التدرب على التعامل مع الخوف.
يجب أن تكون لدى الشخص الخائف القدرة على تسمية المشاعر وهذا مفيد لفهم الذات و مفيد أيضا للذكاء العاطفي، فكما أنه من الواضح أن هناك قوة هائلة لمواجهة الخوف والتعبير عنه شفهيا تساعد أي خائف على التغلب عليه ورالتحكم في المشاعر، فإن هناك مجموعة من الباحثين في هذا السياق قاموا بتعريض أشخاص ممن يخشون العناكب للعنكبوت وراقبوا ردة فعلهم وتركوا للأشخاص الذين خضعوا لهذه التجربة قابليات أو فرصة الإفصاح عن خوفهم…
يجب أن يتدرب كل شخص ما بين الفينة والأخرى على التعامل مع الخوف.
الخطوة الرابعة تتمثل في أساليب الاسترخاء. يجب أن نتعلم في لحظات الخوف أساليب الاسترخاء فعندما يكون الجسم في حالة خوف فإنه يتعرض لجميع الأعراض التي ذكرناها سابقا : التعرق، الارتباك، الارتجاف، رعشة في الصوت و ربما الغثيان، الإحساس بتسارع نبضات القلب…
هناك وسيلة فعالة أو مجموعة وسائل فعالة من ضمنها أساليب الاسترخاء، التأمل، التنفس العميق، تجهيز الجسم لعمليات الكر والفر للتغلب على مشاعر الخوف. ان الاسترخاء يطرد من عقلك و بدنك الخوف و يخبر الجسم بعدم وجوده.
يمكنك و أنت خائف أن تتأقلم مع القلق الناتج عنه. يمكنك و أنت خائف أن تغير المكان الذي توجد فيه لأنه ربما يكون مصدرا رسميا للخوف الذي يسيطر عليك…
هناك تقنيات كثيرة أخرى للتحكم في الخوف ربما نتعرف عليها في درس قادم ان شاء الله.