ليث الجنيدي: بات الموقف الأردني من أحداث القدس والمسجد الأقصى الأخيرة، الذي تصدره استدعاء عمان القائم بأعمال سفارة تل أبيب، ينذر بانتكاسة العلاقات بين الطرفين، وفق مراقبين، خاصة مع اتهام إسرائيل للأردن عقب تلك الخطوة، بأنه “يضر بجهود إحلال السلام”.
وتجمع عمان وتل أبيب معاهدة سلام جرى توقيعها عام 1994، تبعها اتفاقيات أخرى، ومضت الـ 28 عاما الماضية وسط تباين واختلاف في مستوى العلاقات، كانت تل أبيب عامل التوتر فيها؛ خاصة مع استمرار تعدّيها الواضح على دور المملكة في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بمدينة القدس المحتلة.
وشهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاءً واضحا في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو (2009 ـ 2021)، لدرجة دفعت عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني إلى وصفها خلال جلسة حوارية في واشنطن بأنها “في أسوأ حالاتها”، لكن تلك العلاقات شهدت انفراجة في عهد رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت.
وفي إطار مساعيه لحماية القدس يستخدم الأردن في معظم الأحيان أدواته السياسية، عبر إعطاء أي انتهاكات بحق المقدسات زخما دوليا، مصحوبا بحراك على مختلف الأصعدة؛ ليضمن ويؤكد بأنه موجود.
وفي مارس/ آذار 2013، وقع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.
ووفق مراقبين، فإن إسرائيل تدرك تماما أن الأردن لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه فيما يتعلق بالقدس، لكنها سعت عبر اتهامها له بالإضرار بعملية السلام إلى محاولة صرف الأنظار عن تجاوزاتها، لا سيما بعد الحرج الذي سببه لها خطوة الأردن.
والتطورات الأخيرة بالمسجد الأقصى، تُنذر بمعطياتها وحيثياتها بأن علاقات إسرائيل والأردن، أصبحت على المحك، وربما تعود إلى وضعها السابق بعد أن شهدت انفراجة نسبية، لكن من المرجح أن تحاول تل أبيب تدارك ذلك؛ ومن المتوقع أن تشهد فترة ما بعد عيد الفطر لقاءات رفيعة بين الجانبين؛ منعا لمزيد من تدهور العلاقات، بحسب المراقبين.
ومنذ أيام، يسود توتر في القدس وساحات “الأقصى”، جراء اقتحامات إسرائيلية للمسجد، تزامنت مع عيد الفصح اليهودي الذي انتهى الخميس الماضي، بعد أن استمر أسبوعا.
نتيجة حتمية لضعف عربي
الكاتب والمحلل السياسي عبد المهدي القطامين، اعتبر أن “ما يجري في الأقصى وعموم فلسطين من تجبر إسرائيلي، هو نتيجة حتمية للضعف العربي تحديدا، وهرولة التطبيع العربي الذي رأيناه مؤخرا”.
ومن أصل 22 دولة عربية، ترتبط مصر والأردن مع إسرائيل باتفاقيتي سلام منذ عامي 1979 و1994 على الترتيب، فيما وقّعت الإمارات والبحرين والمغرب في 2020، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع تل أبيب برعاية أمريكية، ولحق بهم السودان في 2021.
وأضاف القطامين: “الحكومات اليمينية المتطرفة (في إسرائيل) تدفع باتجاه حل وحيد تعتقده وتؤمن به، وهو الوطن البديل (للفلسطينيين)، لكن مثل هذا الحل ما زال يواجه الرفض العربي والأردني تحديدا، وكذلك المعسكر الغربي والولايات المتحدة”.
وأردف: “من الصعوبة بمكان تحديد هوية المخطط القادم؛ فإسرائيل على الدوام لا تعترف بأي اتفاقية أو معاهدة، ولعل مسألة الوصاية الهاشمية على القدس التي تعصف بها الأحداث الأخيرة خير دليل على إخلالها بأي اتفاق، على الرغم من اللقاءات الأردنية الإسرائيلية رفيعة المستوى”.
واستدرك: “إلا أن ذلك لم يغير من عدوانية إسرائيل شيء، فهي تستبيح الأقصى كل حين ومتى شاءت”.
وبين القطامين أن “العلاقات الأردنية الإسرائيلية في أسوأ حالتها الآن بعد اعتداءات الأقصى، على الصعيدين الرسمي والشعبي، ولكن ثمة تفاوت كبير بينهما”.
وتابع في السياق ذاته “الموقف الشعبي يرفع سقف تطلعات الأردن إلى حد إلغاء معاهدة السلام (1994)، وطرد السفير الإسرائيلي، وإلغاء اتفاقيتي الغاز (2016) والماء (2021)”.
أما الموقف الرسمي، فهو “يتحرك بحذر دبلوماسي، ربما سقفه استدعاء السفير الأردني ورحيل السفير الإسرائيلي، وذلك أقصى ما يمكن أن يقوم به الجانب الأردني في ظل خذلان عربي واسع “، وفق القطامين.
لقاءات مرتقبة
أما محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، فوصف، في حديثه للأناضول، مشهد القدس بـ”المعقد سياسيا”.
ودافع المومني، وهو وزير إعلام أسبق، عن موقف بلاده، مُعتبرا أن إسرائيل شنت هجمة سياسية وإعلامية على الأردن، وهو موقف “منحاز وغير موضوعي، ومن شأنه تأجيج المشهد لا تهدئته”.
وزاد: “تل أبيب تنظر إلى موقف الأردن من أحداث القدس والأقصى الأخيرة، بأنه مختلف عن الغرف المغلقة، ويتصف بالازدواجية”.
وأرجع المومني حديث إسرائيل عن الأردن بتلك الطريقة إلى “أسباب داخلية لدى تل أبيب، في مضمونها تُجافي الأسباب الموجبة للسلام، ما أدى بالتالي إلى خلق حالة من التشكيك الشعبي لدول المنطقة بمواقف حكوماتها”.
وعلى الرغم من ذلك، فضّل المسؤول الأردني موقف حكومة إسرائيل الحالية عن سابقتها، مدللا على ذلك بعدم سماحها بذبح القرابين، التي كانت مقررة خلال فترة الأعياد اليهودية.
واستدرك: “لكن ذلك يستدعي حتما خوض نقاش استراتيجي عميق مع المؤسسات الإسرائيلية، بما يضع حدا لخطاب الكراهية وينهي الازدواجية، بما يحقق بالتالي سلاما عادلا وشاملا، يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة”.
وأكد أن “الملك عبد الله، ومن منطلق وصايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية، خاض حراكا موسعا مع مختلف الرؤساء والملوك والمسؤولين الأوروبيين والأمريكيين؛ ليضع حدا للانتهاكات في الأقصى، ما أدى إلى فضح تلك الممارسات وكشفها للمجتمع الدولي بمختلف أطيافه”.
وتوقع المومني أن تشهد مرحلة ما بعد عيد الفطر، لقاءات مكثفة بين الجانبين الأردني والإسرائيلي؛ لأن “تل أبيب تُدرك تماما بأن لا يمكنها بأي حال من الأحوال التجاوز على عمان، خاصة مع الترابط الجغرافي والديموغرافي والسياسي، بين فلسطين والمملكة”.
تعكير وتوتر ثم جفاء
صايل السرحان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آل البيت (حكومية)، قال للأناضول إن الاستفزازات الإسرائيلية كانت “محاولة تقويض للجهد الأردني لكنها أدت إلى تداعي المملكة لعقد لقاءات عربية موسعة؛ لتدعيم موقف فلسطين، ودعم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، بالإضافة إلى جهود أخرى على المستويين الإقليمي والدولي”.
واستطرد: “هذا يعكس أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للسياسة الخارجية للمملكة، وحتى أن الملك كانت يتابع من ألمانيا عندما كان يتلقى العلاج هناك”.
وبين السرحان أن “الجهود الأردنية آتت أكلها في تراجع الإسرائيليين عن مواقفهم وإجراءاتهم بشكل نسبي، خاصة فيما يتعلق بعدم السماح بذبح القرابين في أعيادهم”.
وزاد: “إسرائيل تحاول استغلال هذه الفترة التي يمر بها النظام الدولي بشكل عام، والإقليمي بشكل خاص، بحالة من المخاض، نتيجة وجود بؤر ساخنة؛ لتحقق مكاسب في هذه المجال”.
وأكد: “لا شك أن الاستمرار في هذه الممارسات الإسرائيلية سيؤدي إلى أكثر من تعكير صفو العلاقات مع عمان، وصولا إلى التوتر، وربما الجفاء كما كان في حقبة نتنياهو”.
واختتم: “الأطراف الدولية الفاعلة، وعلى رأسها واشنطن، تسعى للضغط على إسرائيل؛ منعا لاشتعال المنطقة، ولتتفرغ وتكسب مزيدا من التأييد في وجه قوى دولية صاعدة، مع قناعتها بدور الأردن المحوري في هذا الملف”.