يبدو أن أكبر التساؤلات التي قد تشد أنظار المراقبين للشأن الانتخابي بالمغرب تتمثل في مدى تمكن العدالة والتنمية من تصدر للمرة الثالثة وعلى التوالي الانتخابات العامة التي تجري الثامن من شتنبر الجاري في ظل ” تراجع شعبية حزب المصباح ” خلال الولاية الحكومية الحالية.
فمن أصل 36 مليون عدد سكان المغرب، يبلغ عدد الناخبين ما يناهز 18 مليون الذين من المقرر أن يتوجهوا الى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) وعددهم 395 نائبا، وأعضاء الجماعات المحلية ( مجالس المحافظات) في أول انتخابات، تجرى في يوم واحد للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وهو ما قد يساهم في زيادة نسبة المشاركة الرهان الرئيس للسلطات المغربية، خلال هذه الانتخابات التي تنظم في ظل ظروف تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد. وكانت الانتخابات الأخيرة قد عرفت نسبة مشاركة تقل عن 45 في المائة.
سناريو أحزاب أربعة في السباق نحو رئاسة الحكومة
الا أن المنافسة على المرتبة الأولى ستكون – حسب المراقبين- لن تخرج عن أربعة هيئات سياسية في مقدمتها حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يمنى النفس رئيسه وزير الفلاحة عزيز أخنوش رجل الأعمال احتلال المرتبة الأولى في استحقاقات الثامن شتنبر التي تشهد مشاركة 30 حزبا في هذا الاقتراع الجديد.
فإلى جانب كل من حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، فإن محللين ووسائل الاعلام ترشح كذلك حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، للحصول على أصوات قد تؤهلهما في للسباق النهائي نحو مقر رئاسة الحكومة التي يوجد مقرها الى جوار القصر الملكي بتواركة بالعاصمة الرباط.
مما يزيد من هذا السيناريو تصدر الأحزاب الأربعة لوائح عدد الترشيحات المقدمة برسم انتخابات مجلس النواب حيث بلغت لوائح الترشيح بالنسبة لأحزاب العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، 92 لائحة و305 مترشح لكل حزب، في حين بلغ عدد لوائح الترشيح في الدوائر الانتخابية الجهوية 12 لائحة و90 مترشحا لكل حزب أيضا، وذلك حسب معطيات وزارة الداخلية .
وينص الفصل 47 من الدستور المغربي على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. كما يعين الملك أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، يمكن أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.
“بياضات” الفصل 47 من الدستور
تفسير هذا الفصل تختلف آراء الهيئات السياسية والفاعلين والمحللين حول مضامينه، إذ ترى بعض الأحزاب بأنه ” يترك بياضات ويظلّ مفتوحا على جميع التأويلات الممكنة”، فيما يتعلق بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات مهما كانت هوية الحزب الذي سيفوز بالانتخابات ويشكل الحكومة المقبلة.
وتعد هذه الانتخابات الثالثة منذ اقرر دستور 2011، وذلك بعد محطتين الأولى عام 2012 والثانية عام 2016 . كما أنها الخامسة من نوعها التي تجرى في عهد الملك محمد السادس الذي تربع على عرش المملكة سنة 1999، بعد وفاة والده الملك الراحل الحسن الثاني.
وحسب معطيات وزارة الداخلية، فإن عدد المغاربة المُسجلين في اللوائح الانتخابية، بلغ 17 مليونا و983 ألفا و490 شخصاً .ويُمثل الذكور نسبة 54 في المائة من مجموع المُسجلين باللوائح الانتخابية، فيما تشكل النساء 46 في المائة، في حين أن هؤلاء يتوزعون بين الوسط الحضري والقروي، بنسب 54 و 46 في المائة تواليا.
وتشكل الفئة العمرية ما بين 18 و 24 عاماً 8 في المائة، في حين الفئة ما بين 25 – 34 عاماً 19 في المائة، ثم الفئة ما بين 35 و 44 عاماً، فتشكل 21 %. . بينما الفئة العمرية ما بين 45 و 54 عاماً، تشكل 24 في المائة، والفئة 55 و 59 عاما تشكل 9 في المائة، في حين أن الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم الستين عاماً فيُشكلون 23 في المائة.
وتتنافس 1704 قائمة بالانتخابات التشريعية، وتمكنت أربعة أحزاب من تغطية كل الدوائر الانتخابية، حيث بلغ عدد لوائح الترشيح بالنسبة لأحزاب العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار ما مجموعه 92 لائحة بواقع 305 مترشح لكل حزب، في حين بلغ عدد لوائح الترشيح في الدوائر الانتخابية الجهوية 12 لائحة و90 مترشحا لكل حزب أيضا. وبلغت مجموع القوائم المقدمة برسم انتخابات النيابية، تشتمل في المجموع على ستة آلاف و815 ترشيحا، أي بمعدل يفوق 17 ترشيحا عن كل مقعد بالغرفة الأولى في الوقت الذي بلغ عدد الترشيحات المقدمة على الصعيد الوطني، في ما يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس البلديات ( المحافظات )، 157 ألفا و569 تصريحا بالترشيح.
الانتخابات بين الغاية والوسيلة في ظل الخيار الديمقراطي
وتتدنى نسبة ثقة المغربيات والمغاربة، بالأحزاب السياسية، الى 11 في المائة، في عينة تتكون من 875 شخصا من الذكور والاناث البالغين أكثر من 18 عاما في بحث أجراه ” معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية” حول اتجاهات المغاربة وتطلعاتهم من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خلص فيه أيضا الى أن 60 في المائة عبروا عن عدم ثقتهم في الهيئات السياسية .
ويعتبر العاهل المغربي الملك محمد السادس الانتخابات بأنها ليست غاية وإنما وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن معربا في خطاب ألقاه في 20 غشت (آب) الماضي عن ايمانه بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية، بعدما كان قد دعا قبيل الانتخابات السابقة عام 2016 المواطنين الذين يتوفرون على سلطة القرار في اختيار من يمثلونهم، إلى إحسان الاختيار، لأنه لن يكون من حقهم غدا، أن يشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدم لهم”.
وتتسابق وسائل الاعلام المغربية من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون ومواقع الكترونية ووسائك التواصل الاجتماعي، على اجراء حوارات ولقاءات مع زعماء الأحزاب السياسية، ووتحليل البرامج الانتخابية، ومواكبة الأجواء التي تمر بها الحملة الانتخابية التي كانت قد انطلقت في 26 غشت الماضي وتنتهي في الساعة الثانية عشرة ليلا، من سابع شتنبر الجاري.
تنافس محموم من أجل حكومة جديدة في ظل نموذج تنموي
وتحاول وسائل الاعلام، رصد السيناريوهات المحتملة لما بعدانتخابات ثامن شتنبر، والنتائج التي من المتوقع أن تسفر عنها، خاصة بالنسبة للأحزاب الأربعة المرشح واحد منها على تصدر هذه الاستحقاقات التي تجرى في ظل مشروع النموذج التنموي الجديد المخطط الذي يراهن عليه المغرب لتحقيق التنمية المستدامة، خلال السنوات المقبلة.
ويتوقع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، أن حزبه ” ينافس على المراتب الأولى، وأن المواطنين لاتزال لديهم الثقة فيه”، داعيا الناخبين الى المشاركة المكثفة في الانتخابات، “والتصويت للأصلح، مع تحكيم ضمائرهم..”، في حين وصف عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، الحصيلة الحكومية لولايتين ب” الكارثة” معبرا عن ثقته بفوز حزبه بتصدره الانتخابات التشريعية المقبلة، بعدما احتل المرتبة الثانية خلال الانتخابات التشريعية السابق، وراء العدالة والتنمية الذي فشلت مركزيته النقابية في انتخابات أعضاء الغرف المهنية في خامس غشت الماضي، وهو ما يفقده التمثيلية في مجلس المستشارين الذي ستم تجديده في الخامس من أكتوبر المقبل .
ويرى عدد من المراقبين أن العدالة والتنمية سيواجه منافسة قوية من لدن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تشكل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بالنسبة اليه امتحانا حقيقيا، بعد عودته القوية الى المشهد الحزبي بفضل تجديد هياكله وخطابه، في الوقت الذي يطمح الاستقلال المعارض أقدم حزب مغربي بدوره الى قيادة الحكومة، في ظل أمينه العام نوار بركة، كما حقق ذلك سنة 2007 عندما كلف أمينه العام عباس الفاسي آنذاك بتشكل الحكومة في أعقاب تصدره نتائج الانتخابات.