مهدي عامري وفاطمة الزهراء نصار (المادة الفكرية والمعرفية – إدارة الحوار)
حسناء متوكل (الكتابة والتوضيب)
فاطمة الزهراء نصار. مساء الخير و سنة طيبة للجميع. اليوم لدينا حلقة جديدة ، مع الأستاذ الدكتور مهدي عامري الباحث في الإعلام و الاتصال . الأستاذ عامري صدر له في الشهور الأخيرة كتاب التنمية الذاتية تستطيع أن تكون ناجحا. و حلقة اليوم موضوعها التنمية الذاتية بين الكتب و الواقع.
أهلا و سهلا دكتور مهدي عامري.
مهدي عامري. أهلا و سهلا و شكرا على هذه الاستضافة الجميلة. من أجل التوضيح تستطيع أن تكون ناجحا كتاب أعتبره في غاية الأهمية في مساري كمبدع و كأديب قبل أن أكون أستاذا و أنا أعتقد أني أحمل – و أقولها بكل تواضع – عدة قبعات ، قبعة الأستاذ، و الأديب و الانسان المسكون و المهموم بقضايا العصر ، تستطيع أن تكون ناجحا كتب في فترة ما قبل الحجر الصحي ، و نقحت و كتبت فصوله الأخيرة في فترة الحجر، التي مررنا بها في جميع دول العالم ، دون استثناء .
فاطمة الزهراء نصار. فعلا، الفصول الأخيرة تتحدث عن الحجر الصحي ، لكن الكتاب يتكون من عدة فصول، تتضمن أفكارا نيرة كثيرة، سأناقشها معكم ، من أجل أن يستفيد الجمهور المشاهد ، فمثلا هنالك فصل لفت انتباهي بشكل كبير ، يتناول تقنية القراءة السريعة ، هذا الفصل قدمت فيه أستاذي العديد من الملاحظات و التقارير التي صدرت في الفترة الأخيرة و الإحصائيات التي تبين الكم الهائل من المعلومات التي تحاصرنا في عصر ثورة الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية المختلفة ، و فكرة القراءة السريعة التي ذكرتموها في الكتاب ، تعني محاولة مواكبة السرعة التي يعيشها العالم اليوم بتسريع طرائق المطالعة و التنقيب عن المعلومات . فهل يمكنكم أستاذي أن تشرحوا لنا أكثر تقنية القراءة السريعة ؟
مهدي عامري. نعم، أنا أدافع في فصل من فصول كتابي تستطيع أن تكون ناجحا عن تقنية القراءة السريعة، لأني أعتبرها تقنية استراتيجية في زمن طوفان المعلومات و وفرتها، نحن نعيش في زمن كثرت فيه المعلومات و الترابطات و التشابكات ،دون أن يكون هنالك تواصل فعلي ،هنالك من يتوهم أن الزمن الذي نعيش فيه هو زمن التواصل ، والحال أن التواصل الحقيقي لا يمكن أن يحصل إلا في حالات اللقاء الوجاهي، فالفكرة التي أركز عليها في فصل القراءة السريعة ، هي أنه في زمن طوفان و وفرة المعلومات يجب على القارئ أن يستعمل مجموعة من التقنيات البسيطة ، التي يمكن أن يتملكها أي شخص من أجل القراءة السريعة
ان القارئ الكلاسيكي عندما يأخذ بين يديه كتابا ، عدد صفحاته 150 أو 250 صفحة مثلا فإنه يأخذ الكتاب ويقرأه من ألفه إلى يائه ،سواء تعلق الأمر بكتاب علمي أو كتاب في الجغرافيا أو الأدب أو أي نوع من أنواع الكتب ، والحال أنه الآن في زمن طوفان المعلومات نحتاج إلى استراتيجيات و تقنيات بسيطة، هذه التقنيات من ضمنها على سبيل المثال ، قراءة مقدمة الكتاب و خاتمته، إن كنت مستعجلا ،أو أن تقرأ فهرس الكتاب أو الفقرات الأولى منه ،هذه كلها تقنيات يمكن الاعتماد عليها ناهيك عن القراءة بالأهداف و القراءة التصويرية .
فاطمة الزهراء نصار. جميل، لكن هل هذه القراءة التصويرية تؤهل الإنسان للمعرفة ؟ لقد أصبحنا نرى على مواقع التواصل الاجتماعي التسابق حول فكرة من قرأ أكبر عدد من الكتب ،فهنا نجد أن الهدف ليس هو المعرفة بل التباهي ، فهل القراءة التصويرية تؤهلني فعلا لامتلاك ناصية المعرفة ؟
مهدي عامري. القراءة التصويرية و جميع التقنيات المنبثقة من القراءة السريعة هي تقنيات تكميلية فقط ، لأن القراءة الحقيقية هي التي ترتبط بالتأني و التأمل والتمهل في ما تقرأ ، لأني عندما أرغب في الوصول إلى أمهات الأفكار في مختلف الكتب سواء كتب التواصل أو العلوم أو الجغرافيا أو التاريخ ، يلزمني أخذ الوقت الكافي للمطالعة بما يتيح لي التمحيص في الأفكار و نقدها أحيانا.
https://www.youtube.com/watch?v=pr82AsfKm8A&t=148s
هناك كتب ينصح بإعادة قراءتها، و ليست الكتابة هي المسؤولة عن التغيير و إنما فعل القراءة، إن الأهمية هنا ليست للكاتب بل للقارئ، فالشخص الذي قرأ (الخيميائي) و (الحب فوق هضبة الهرم) مثلاً لا يمكن أن يكون مثل الشخص الذي لم يقرأهما، لأن نظرتنا إلى المجنون تختلف، وموقفنا من البؤس و التضحية يتبدّل لذلك أعتبر أن الثورة الحقيقية يجب أن تكون ثورة القراءة.
فمثلا كتاب تستطيع أن تكون ناجحا نصحت بضرورة قراءته عدة مرات لتحصل منه الفائدة ، وقلت في مقدمة الكتاب أنه يمكن للقارئ السريع أن يقرأه في أربع ساعات لأن الكتاب من الحجم الصغير ، و لكن القارئ إن أراد أن يعود للأفكار المهمة للكتاب في الوقت الذي يشاء و الوقت الذي يلبي احتياجاته النفسية فما عليه الا أن يطالعه عدة مرات ،لذلك اخترت أن أقسم الكتاب لعدة فصول ، و ربما قد يخيل للقارئ أنه ليس هنالك ترابط بين الفصول ولكن في الحقيقة هنالك بينها ترابط و خيط ناظم ، و أنا متفق معك على أن القراءة العميقة هي الأساس و لكن القراءة التكميلية بتفرعاتها وتقنياتها ، هي فقط الحل السهل للناس الذين لا يملكون الوقت ،كرجال الأعمال و المدربين و المدراء الذين لديهم جدول أعمال مكتظ بالأنشطة.
فاطمة الزهراء نصار. نعم أستاذي مهدي عامري ، و الفصول الأخيرة من كتابكم تستطيع أن تكون ناجحا التي كتبتموها في فترة الحجر الصحي ، حملت عناوين تدل على هذه الفترة كعالم ما بعد الوباء ، أحلام فترة الحجر ،أرجوك.. حدثنا عن هذه الفترة التي كان الناس خلالها يعيشون حالة رهيبة من الخوف و الفزع و الضغط النفسي ، ففجأة توقفت حركة العالم، و أصبحنا نسعى لتعلم أشياء جديدة و نبحث عن الإبداع لكي لا تمر أيامنا فارغة دون منفعة ، فكيف واجهت أستاذ مهدي عامري الضغط النفسي خلال فترة الحجر الصحي العالمي ؟
مهدي عامري. كملايين الناس عشت هذه الفترة بقلق كبير و بتفكير لا ينقطع في هموم البشرية التي قصمتها الجائحة اللعينة ، و كانت فترة الحجر الصحي بالنسبة لي فرصة عظيمة للتأمل و العودة إلى الذات، تظل هذه تجربة متواضعة ، لا أريد أن أمجدها كثيرا ، فهي تندرج ضمن آلاف التجارب التي عاشها الناس في العالم ، و لعل هذه التجربة مثلت بالنسبة لي فرصة لتقبل ما هو موجود و كائن ، ربما تبدو هذه فكرة فلسفية لكني سأحاول تبسيطها ، فهنالك مجموعة من الناس يعتقدون و لا زالوا يعتبرون كورونا عقابا إلهيا أو مؤامرة ، و أنا أرى أنه من الأفضل أن نبتعد عن كل هذه التأويلات ، لأن الفيروس موجود في الطبيعة ، فلا يمكن لأي شخص عاقل أن ينكر وجوده ، ولكني أعتقد أن كورونا تجربة مهمة للبشرية و اختبار مباشر لهذه الإنسانية و الرأسمالية المتوحشة و لعالم الاستهلاك المفرط المدمر للطبيعة . هذا العالم أصبحنا منخرطين فيه دون إدراك منا كأننا فاقدو الحواس و مغيبو الوعي.
قبل الحجر كنت أمارس التأمل مع مجموعة من تلاميذي و رفقاء دربي الذين كنت أدربهم و أنمي شخصيتهم ، ولكن ابان الحجر الصحي أصبحت و لله الحمد أتأمل أكثر و أكثر ، ان التأمل ساعدني في الصمود و احتواء هذه الأزمة ،فكورونا مدرسة تعلمنا منها معاني التراحم و التضامن و التفكير في المسنين الذين يعانون من الهشاشة.
فاطمة الزهراء نصار. الاستفادة من العزلة جاءت في أحد فصول كتابكم تستطيع أن تكون ناجحا ، أستاذي، و أعتقد أننا لسنا متعودين على العزلة فدائما ما نكون في حالة تواصل ، حتى في البيت مثلا نحن متصلون بالأنترنيت مع العالم الخارجي ، فالحجر الصحي وضعنا أمام انعزال مفروض لم نختره نحن بإرادتنا، فذاك الضغط النفسي الذي عشناه في الحجر جعل الإنسان يجهل كيف ينتج أو يبدع أشياء جديدة تخرجه من السجن القسري في البيت ، فكيف كنتم ترون فكرة الاستفادة من العزلة أستاذي ابان الحجر الصحي ؟
مهدي عامري. دعيني أحكي لك قصة طريفة اجابة مني عن هذا السؤال.
كان لدي صديق يشتغل في قطاع الصحافة حكى لي عن صديقه الذي كان قبل سنوات مصابا بداء خبيث و كان يستفيد من حصص العلاج الكيميائي، و كانت له في كل أسبوع على الأقل أربع حصص من العلاج و مدة كل حصة ساعة كاملة ، و خلالها كان دائما يخرج ورقة و قلما و يكتب أفكارا و تدوينات ، و بعد أربعة أشهر من العلاج الكيميائي ،تكونت لديه المسودة الأولى لعمل روائي ، و هذه قصة واقعية ملهمة للكثير من المبدعين ، و الآن بالعودة إلى تجربة الحجر الصحي ، أعتقد أن هذه التجربة هدية ثمينة لمن أراد أن يستبصر و يعتبر فهي كانت فرصة للتزكية و التطهير ، أي تطهير الذات البشرية مما علق بها من مصائب و الخروج من مشاكل و صناديق الحياة المعاصرة ، فنحن أصبحنا نعيش في صناديق ، فعندما تركب المصعد فأنت في صندوق ، و عندما تركب السيارة فأنت في صندوق ، و عندما تدخل إلى البيت فأنت في صندوق ، و عندما تخرج الأكل من الثلاجة فأنت تأكل داخل صندوق ،فأصبحت حياتنا كلها معلبة أي داخل الصناديق. ان فترة الحجر الصحي ذاتها عمقت هذه الفكرة فأصبحنا نعيش داخل صندوق كورونا .
و لكن تجربة كورونا تظل تجربة رائعة على المستوى الروحاني ، فخلالها رجعنا إلى ذواتنا بالتزكية والتطهير ، و راجعنا قيمنا التي كنا نؤمن بها و أنا أعتقد أن الاستفادة العظمى من الجائحة تتمثل في تحسين أسلوب الحياة، و في الأشهر الأخيرة انضممت لنادي معجزة الصباح ، و بدأت أستفيق كل صباح على الساعة الخامسة صباحا و أسطر برنامجا صباحيا متكاملا ،مدته ساعتان كلها رياضة و حركة.
فاطمة الزهراء نصار. ننتقل الآن إلى فكرة ثانية ، و هي أنه من الممكن أن نقرأ كتابا للتنمية الذاتية ، ونجده مكتظا مكتنزا بأفكار الأمل و النجاح، و كل المصطلحات الهائلة و المحفزة لكننا لا نملك القدرة الدائمة لتطبيق هذه المصطلحات ،لأنه في أغلب الأوقات التنفيذ هو الذي يمثل الصعوبة الكبرى ، فهل كتب التنمية الذاتية تمنحنا فعلا القدرة على التطبيق أم أنها مجرد مسكنات مؤقتة لآلام الحياة المعاصرة ؟
مهدي عامري. هناك من يعتقد أن التنمية الذاتية مجرد ترف فكري، وأنا أقول لا. . ليست كذلك ،التنمية الذاتية ليست ترفا فكريا ولكنها ثقافة و أسلوب حياة ، لماذا ؟ هنا سأفتح قوسا بعجالة و أشير إلى تاريخ التنمية الذاتية المعاصرة التي تمثل مجموعة من التقنيات البسيطة المستمدة من علم النفس الايجابي و التواصل و الفلسفة البراغماتية ،فهذه هي الروافد الأساسية التي تغذي التنمية الذاتية ، و تنبثق منها تقنيات و تمارين كثيرة إن تم توليفها وتنسيقها بشكل بسيط، فسوف نحصل لا محالة على التغيير في جميع مجالات الحياة : مراكمة الثروة، المذاكرة و الاستعداد للامتحانات ، إنجاح العلاقات الأسرية و الزوجية و الرياضة و الريادة و إدارة الأعمال. ..
فاطمة الزهراء نصار. عندما أقرأ كتابا عن النجاح أو الأمل أو مراكمة الثروة مثلا و أنهيه ، ما هي الخطوة العملية التالية الواجب علي اتباعها ؟
مهدي عامري. أعتقد أن الرهان الأهم في التنمية الذاتية هو عدم ابتلاع الأفكار بل تطبيقها بأسلوبك الخاص ،فالمهم في التنمية الذاتية هو جرعة الحماس والتحفيز التي سوف أصل إليها بعد الاستماع للشخص الفلاني و المحاضر الفلاني و المحفز الفلاني ،فالمستفاد من التنمية الذاتية هو رفع الحماس والطاقة و رفع أيضا ما يسمى بمحبة الذات و تقبلها ، و هذا المفهوم يروج حاليا في أدبيات مدربي التنمية الذاتية في العالم ، و من المؤكد أن فكرة التقبل ومحبة الذات لا علاقة لها البتة بالغرور…
فاطمة الزهراء نصار. فعلا… حب الذات ضروري خصوصا الآن بعدما أصبحنا نشاهد و نعاين كل يوم التنافسية في مواقع التواصل الاجتماعي
مهدي عامري. فعلا ، و أريد أن أضيف فكرة هامة مفادها أن التنمية الذاتية ليست أن تبيع الأوهام للناس ، لكنها بالأحرى أن تكون قادرا على إعطاء الحماس و الأمل للآخرين…
فاطمة الزهراء نصار. عندما أكون متقبلة لذاتي كما هي ، أ لا يسبب لي ذلك عدم الرغبة في تجاوز ما أنا عليه والوصول لمراحل أفضل ؟
مهدي عامري. ليس بالضرورة ،لأنه عندما أكون قنوعا و متقبلا للأشياء التي كسبتها على المستوى العلمي و المعرفي و المالي و العاطفي ،فذلك لا يعني بالضرورة نهاية الطموح ، فالطموح يجب أن يظل مشتعلا في النفس و الروح ، شريطة أن تصاحبه القناعة بما هو موجود ، فبذلك يمكن أن نصل إلى فكرة الإنسان الكامل ، فنحن نحتاج للوصول إلى فكرة الإنسان الكامل والمتوازن ، المتوازن بين المادة و الروح ،لأن الإنسان مكون من النفس و القلب و البدن و الروح… و سعادته الحقيقية تتمثل لا محالة في ايجاد التناغم بين كل هذه العناصر.