في عالم يتسم بانتشار الأخبار الزائفة والشائعات التي تنتشر بسرعة البرق، يجب أن نتساءل: هل تتحول هذه الأكاذيب إلى جرائم تستحق العقاب؟ في عالم يبحث عن الحقيقة ويكافح ضد موجات الإشاعات، يظهر الصحفيون كمدافعين عن الحقيقة، لكن أحيانا يجدون أنفسهم في ورطة يصعب الخروج منها.
نعيش في هذه الأيام على وقع فضيحة سقط فيها المنشط الإذاعي محمد بوصفيحة الملقب ب “مومو”، أو على الأقل في انتظار التحقق سقط فيها من اتصل به، وقد فتحت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء بحثا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، نهاية الأسبوع المنصرم وذلك لتحديد جميع المتورطين في اختلاق جريمة وهمية، ونشر خبر زائف يمس بالإحساس بالأمن لدى المواطنين، بواسطة الأنظمة المعلوماتية وإهانة هيئة منظمة عبر الإدلاء ببيانات زائفة.
ولهذا تبقى مسؤولية الإعلامي ثابتة عندما يكون البرنامج مباشرا ولا يتدخل للتصحيح، وما وقع جريمة كاملة الأركان. من هنا تساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه القضية مجرد خطوة للردع، أم هي بداية لتطبيق قوانين جديدة لمكافحة انتشار الأخبار المضللة.
ففي عصر يتسم بالتطور التكنولوجي وسرعة انتشار المعلومة، يعتبر اختلاق الاخبار جريمة بحق المعلومة والوعي العام، فإذا كانت الصحافة الركيزة الأساسية لنقل الحقيقة، فإن استخدامها لترويج الأكاذيب يعتبر خيانة؛ فأول ضحية للأخبار المختلقة هي الحقيقة، ومنها تتسلسل العديد من القضايا، التي تضر بكاملها المجتمع وطمأنينته، حيث دور الإعلام هو الإخبار لكن أخلاقيا ينبغي تفادي نشر الخبر الذي يهدد الاستقرار حتى لو كان صحيحا.
فاختلاق الأخبار يعتبر جريمة، أولا في حق المواطن، لأن نشر معلومات وأخبار مضللة وزائفة من شأنه أن يؤثر على سلوك الجميع، ومعروف الحالة النفسية التي يصبح عليها الأفراد عندما يعتقدون أو يقتنعون بأن بلدهم غير آمن، كما أن اختلاق الأخبار جريمة في حق المجتمع، لأنه يرسم له صورة مشوهة غير الصورة الحقيقية.
البعض يعتقد أن اختلاق خبر قصد جلب مستمعين جدد أو رفع عدد المشاهدات أمر هين ليس له تأثير، وهذا وهم كبير لأن اختلاق الأخبار يمكن أن يضر بسياسة البلاد في الخارج، وينعكس ذلك سلبا في الداخل.
وربما يحدث انكماش في الجانب السياحي، حيث يمكن أن يؤدي الى هروب السائح الأجنبي الذي لن يتوجه إلى بلد لا يضمن فيه الأمن سلامة المواطنين. ويأتي السؤال حول إن كان هؤلاء يتصورون أن هذه الأخبار يمكن أن تأتي بضربة قاتلة على الاقتصاد الوطني؟
ولكل هذه الأسباب اعتبر المشرع نشر أخبار كاذبة جريمة، وبالتالي يجب معاقبة مرتكبها، بالإضافة إلى ذلك يجب حماية الصحافة الحقيقية ومكافحة التضليل الإعلامي، لأن الصحافة ركيزة أساسية في بناء المجتمعات القوية والديمقراطية الناجحة.
وإذا أردنا أن نكون واقعيين وعمليين ينبغي علينا توسيع دائرة متابعة الأخبار الزائفة، التي تخلق التوتر داخل المجتمع.
مَن نشر قصة خروج أسد الأطلس، وتابع مسيرة نشره، ألم يكن القانون حريا بأن يستمع إليه؟ هذه قصة قد تجلب لصاحبها ملايين المشاهدات، لكن ضررها كبير على المجتمع، حيث ينبغي أن نعرف كم من مواطن فقد عمله بسبب هذا الخبر، كم من مريض لم يذهب إلى المستشفى خوفا من الأسد وكم من تلميذ لم يذهب إلى المدرسة بدعوى وجود الأسد.
ولهذا يجب علينا الانتباه لمجموعة من الأخبار التي تمر يوميا وقد تكون مضرة بالسلامة والطمأنينة بشكل كبير، وينبغي معالجتها حتى لا يستفحل الأمر، ونحن كمجتمع يجب أن نتحد ضد كل الجرائم التي تهدد ثقتنا في وسائل الإعلام وتقويض دورها الحيوي في توجيه الرأي العام وتشكيله.