مهدي عامري ( المادة الفكرية و المعرفية )
أحلام غجو ( الكتابة و التوضيب )
ما أود أن أشاركه معكم ليس في واقع الأمر مداخلة أكاديمية بقدر ما هو شهادة مهنية معززة بمجموعة من الملاحظات الميدانية حول موضوع تحولات التعليم عن بعد في زمن كورونا، سوف أبني حديثي حول تجربتي الشخصية في التعليم و في استخدام التكنولوجيا و تقنية الفيديوهات المباشرة و مجموعة من التطبيقات الإلكترونية الأخرى من أجل التواصل مع الطلبة و تدريسهم في زمن الجائحة العالمية
أقسم شهادتي المهنية إلى ثلاث نقاط
أولا – نقاط قوة التعليم عن بعد في زمن كورونا
ثانيا – تحديات التعليم عن بعد في زمن كورونا
ثالثا – توصيات لتجويد عملية التدريس في عالم الوباء
منذ مارس 2020 تفشى وباء كورونا بشكل خطير و مهول في جميع دول العالم، و في ظل هذه الظرفية الصعبة تمت المراوحة بين النمطين الإلكتروني و الحضوري في التدريس و هكذا وجد عدد كبير من الطلبة أنفسهم في وضعية صعبة، لأنهم أصبحوا يدرسون بطرق جديدة، و خلقت هذه المزاوجة عدة صعوبات على مستوى التحصيل، و متابعة الدروس، كما عمقت الفجوة الرقمية الموجودة أصلا بين الوسطين الحضري و القروي، ما أنتج حالة من عدم تكافؤ الفرص على مستوى الولوج إلى منصات التعليم الإلكتروني، و الاستفادة من خدمات الأنترنت، هذا فقط غيض من فيض لكننا سنحاول أن نرى الوجه المضيء في هذا الظلام الحالك ، و سنحاول أن نشير الى بعض نقاط القوة لهذا التعليم عن بعد، و من ضمنها على سبيل المثال أن تصبح قادرا على دراسة ما تريد في الوقت الذي تريد، و أقصد بكلامي إمكانية الرجوع إلى الفيديوهات التي يتم تسجيلها من قبل الطلاب و الأساتذة.
و ثمة ميزة ثانية للتعليم عن بعد و هي تجاوز و تقليص حدود الزمان و المكان، و تجنب الاكتظاظ و التكدس في قاعات الدراسة.
ان التعليم عن بعد يوفر المادة العلمية للطلاب طوال الوقت، و يسمح لهم بالتواصل مع الأساتذة بشكل مستمر، فلم يعد التواصل بين الأساتذة والطلاب يقتصر على ساعات اليوم الدراسي. و هذا يفرض على جمهور الأساتذة تحسين طرائق عملهم و أدائهم الشخصي و القائهم للدروس.
ان التعليم عن بعد لا يساوي انتاج الفيديوهات عن بعد أو تمرير المادة العلمية التي من المفترض أن يلقيها و يوصلها الأستاذ في قاعات الدرس إلى الطلبة عن طريق تقنية الفيديو.
المسألة تتجاوز ذلك بكثير.
عندما نتحدث عن التعليم عن بعد، فإننا نتحدث عن تقنيات و مهارات خاصة، نتحدث أكثر من ذلك عن ثقافة الديجيتال القائمة على الاختصار و السرعة، ان الديجتال من هذا المنطلق يفرض على الأستاذ اختصار محاضرات مدتها الزمنية في الفضاء الحضوري ساعة أو ثلاث ساعات مثلا في ساعة واحدة مثلا. انه عمل جبار و تحدي صعب، ويقتضي من الأستاذ مهارات دقيقة و مجهودا معتبرا.
ان الأساتذة الذين يسجلون الفيديوهات التعليمية ويضعونها على المنصات الإلكترونية يدخلون في منافسة مع صناع المحتوى الهادف. لدينا في الأنترنيت سواء في اليوتيوب أو الانستغرام أو منصات أخرى من منصات التواصل الاجتماعي، الآلاف من صناع المحتوى التعليمي. صحيح أن أغلب الدراسات تشير إلى أن أكثر من ثمانين في المئة من محتوى الأنترنت عديم الفائدة، أي أنه محتوى تافه و دون قيمة حقيقية.
و لكن إلى جانب ذلك، إذا دققنا البحث فإننا سنتفاجأ أن هناك في هذا الطوفان الهائل من المعلومات، من البيانات الضخمة، و من الفيديوهات عدد لا يستهان به من صناع المحتوى الراقي و الهادف، التعليمي، و التدريبي، هناك اذا فيديوهات على درجة عالية من الجودة سواء فيديوهات تيديكس أو الكبسولات التعليمية و المحاضرات القصيرة في عشرين أو ثلاثين دقيقة مثلا.
ان الإشكالية التي تطرح و السؤال المركزي الذي يجب أن يلح على جمهور الأساتذة هو كيف يمكن لهم أن ينافسوا صناع المحتوى الهادف، لأن الطالب عندما يكون على تواصل مع أستاذه عبر الأنترنيت فهو ينتظر منه أوتوماتيكيا أن يكون المحتوى على درجة عالية جدا من الجودة لأنه بكل بساطة و في لا وعيه يقارن أستاذه بصناع المحتوى الجذاب و الهادف.
ان التحدي الكبير الملقى على عاتق الأساتذة هو كيف يمكن أن يحينوا دروسهم بفضل الإضافات الهائلة للديجتال ، و كيف يمكن أن يرفعوا من كفاءتهم بأن تصبح دروسهم على قدر عال جدا من الجودة و التفاعلية .
ان التعليم عن بعد المتمخض عن عالم كورونا موضوع أنعش الدراسات التواصلية في الأعوام الأخيرة، باعتبار أنه إذا كنا نتحدث في العلوم السياسية و الاجتماعية عن ما يعرف بـcultural studies ، أي الدراسات الثقافية، فإننا نحتاج في أفق السنوات المقبلة، إلى ابتكار ما يعرف بـ corona studies أي الدراسات المرتبطة بـكورونا.
أما عن نقاط الضعف و التحديات الهائلة التي يواجهها التعليم عن بعد فان أكبر تحدي و مشكل يتمثل في الفجوة الرقمية بين من يملك الانترنيت ومن لا يملكه، بين من لديه صبيب مرتفع من الأنترنيت وبين من يشحن بين الفينة و الأخرى دريهمات معدودة ليستمع أو يشاهد المحاضرات على الانترنيت.
ان المؤسسات الحكومية في الدول التي تحترم نفسها مطالبة بتوفير الولوج للتعليم عن بعد للجميع، و هذا تحدي هائل، انه تحدي الديمقراطية و العدالة المجالية و الاجتماعية.
و لا يسعني الآن الا أن أختم شهادتي المهنية حول تحولات التعليم عن بعد في زمن كورونا بالتوصيات التالية
- من المفيد التركيز على أهمية و ديناميكية المزاوجة بين التعليم عن بعد و التعليم الحضوري في جميع مراحل اشتداد و انخفاض موجات الجائحة العالمية
- صحيح أن التعليم عن بعد يعطي حلولا و تسهيلات، و لكنه ليس العصا السحرية التي تمحو جميع المشاكل لأن التعليم الحضوري لا يمكن الاستغناء عنه. فمن المهم أن يكون الأستاذ حاضرا بوجدانه و قلبه و عاطفته أمام الطلبة، لأن من شروط التواصل الفعال و الناجح الحضور و اللقاء المباشر.
- ان التعليم الحقيقي حضوريا كان أو الكترونيا يقتضي الانصات و التعاطف، ان التعليم الفعال هو تلك الكتلة من العواطف النبيلة و المقدسة التي يشاركها الأستاذ مع طلبته في القسم و التي لا يمكن أن يتم مشاركتها في الشاشات.
ان انكباب الأساتذة على تحيين دروسهم و على تجويد محاضراتهم في عالم الديجتال الشديد التنافسية لأمر مستعجل و لا يقبل أي تأجيل . ان هذه الدروس يجب أن تكون مركزة، مختصرة، و متسمة بالطرافة و الجاذبية ، على غرار محتويات و فيديوهات صناع المحتوى الرقمي