منذ سنوات كثيرة تبنت إسرائيل رسميا مزاعم جهات يهودية بأنها تمتلك عقارات داخل حي الشيخ جراح في القدس المحتلة لتبرير الاستيلاء على عشرات البيوت الفلسطينية وتهجير أصحابها بمصادقة المحاكم الإسرائيلية.
وفيما يتبنى عدد قليل من الإسرائيليين الموقف الفلسطيني ويعارضون تهجير العائلات الفلسطينية ويحذرون من مغبة الاستيطان الاستفزازي في قلب الحي المقدسي تخشى حكومة الاحتلال من انفجار جديد على غرار هبة الكرامة في مايو/ أيار الماضي بسبب هذه الاستفزازات الصهيونية في القدس المحتلة لكنها تساوي بين المعتدين وبين المعتدى عليهم وتوفر الحماية للمستوطنين الذين يستقرون داخل منازل عربية في حي الشيخ جراح.
في المقابل يتبنى بعض المراقبين الإسرائيليين موقف بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي ممن يردون على مزاعم وجود كواشين ووثائق طابو مع هؤلاء المستوطنين في الشيخ جراح بالقول إذا كان الأمر كذلك فلتعيدوا إذن أهالي الشيخ جراح لبيوتهم في الشطر الشرقي من القدس وفي مدينة يافا واللد والرملة التي اقتلعوا منها في نكبة 1948 وما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم وبمستندات تثبت ملكيتهم لأراضيهم وممتلكاتهم هناك.
ومن هؤلاء المعلقين الإسرائيليين المعلق صاحب التوجهات اليمينية بن درور يميني الذي قال عن قضية الشيخ جراح إنها ليست هذه مسألة قضائية بل مسألة سياسية منبها لكونها جرحا نازفا، تحول في السنوات الأخيرة إلى بؤرة مركزية في الحملات ضد إسرائيل.
ويتابع يميني في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “تحولت لبؤرة مركزية ليس صدفة لأنه توجد للأغلبية الساحقة من حجج الحملات ضد إسرائيل أجوبة ممتازة، فقط إذا عرفنا المادة. أما في موضوع الشيخ جراح، فليسمح لي بأن اعترف بأنه ليس فقط لا توجد أجوبة مقنعة بل أن أصدقاء إسرائيل أيضا، ويوجد كثيرون كهؤلاء، يمزقون شعرهم ويتساءلون هل لهذه الدرجة تصر إسرائيل على المس بذاتها؟.
وقود للدعاية الفلسطينية
ويرى بن درور يميني الذي كان معلقا صاحب توجهات يسارية حتى الانتفاضة الثانية عام 2000 أن بؤرة القصة ليست حقوق اليهود القانونية في المكان فالفلسطينيون في الحي رفضوا كل عروض الحل الوسط التي طرحت عليهم في الإجراءات القانونية. وهم يعرفون لماذا. قصة الشيخ جراح أصبحت نبعاً متدفقاً من الوقود للدعاية المناهضة لإسرائيل. على الفلسطينيين أن يكونوا أغبياء تماما كي يقبلوا تعويضات بملايين الدولارات عندما يكون الكنز الدعائي يساوي مئات ملايين الدولارات”.
وضمن انتقاداته يوضح بن درور يميني أن إسرائيل، على كل حكوماتها، استسلمت للعنيدين الذين يطالبون بـ”الحقوق” بدلا من أن تصادر الأرض وتطفئ النار، لأن هذا ما تتطلبه المصلحة الوطنية. وكل زيارة للنائب إيتمار بن غفير هي هدية أخرى، أغلى من الذهب، لدعاية “حماس”.
كذبة كبيرة
ويضيف”لحظة، لحظة، يقولون لي من جهة اليمين المتطرف فهذه هي قصة الحركة الصهيونية. هاجرنا، استوطنا، بنينا. نحن المواصلون الحقيقيون لـ”السور والبرج”. هكذا قامت الكيبوتسات. هكذا ثبتنا الحقائق. هكذا خلقنا دولة إسرائيل، رغم اعتراض العرب الذي كان في حينه ويتواصل الآن. كنا قلة في قلب سكان عرب. كانت هناك مقاومة في حينه، وهذه هي المقاومة نفسها الآن أيضا. وانت تستسلم لها؟ لا توجد كذبة أكبر من هذه. فالصهيونية هي نتيجة ليس فقط توق يهودي لجبل صهيون بل أيضا لأعمال الاضطهاد والقتل. كنا لاجئين. في تلك الأيام، حتى قرار إقامة إسرائيل، لم نطرد أحداً. اشترينا الأراضي. أنقذنا الأراضي. كافحنا في سبيل الحق الأساسي الذي تكافح شعوب عديدة في سبيله. الحق في تقرير المصير، لغرض إقامة وطن قومي. كنا شعباً مضطهداً، في روسيا وفي العراق، في بولندا وفي اليمن. حققنا الهدف بثمن دموي رهيب وفظيع”.
وتتضمن انتقادات يميني مغالطات ومضامين دعائية تنطوي على محاولة تبييض جرائم الصهيونية بقوله في هذا المضمار: “الجانب العربي رفض كل عرض لحل وسط. لا لتقسيم 1937. لا لتقسيم 1947. وعندما هددونا بإبادتنا، وشنوا حرباً لغرض الإبادة لم تنجح المؤامرة. دحرناهم بثمن دموي رهيب وفظيع. نعم، في أثناء الحرب كانت أيضا أعمال طرد. بالتأكيد كانت. ولا حاجة الا للتذكير بأنه في تلك السنوات، كان طرد السكان والتبادل السكاني أمراً اعتيادياً”.
ممتلكات الفلسطينيين من قبل النكبة
وعما يحصل اليوم بعد سبعة عقود من النكبة المتواصلة يقول بن درور يميني إنه من اللحظة التي توجد فيها لنا دولة سيادية وقوية، فإن المقارنة بين “سور وبرج” وبين المستوطنة في الشيخ جراح، داخل روحهم وفي قلب حيهم السكني – هي مدحوضة بل تنمي الدعاية المناهضة للصهيونية. ويرى أنه من ناحية الفلسطينيين المشروع الصهيوني هو مشروع سلب وأن أمثال بن غفير يوفرون لهم المبررات. ويتابع “لا، لسنا في عصر (السور والبرج). نحن لسنا لاجئين ومضطهدين، وأنتم لستم مواصلي درب الطلائع من تلك الأيام. أنتم لا تخدمون الرؤيا الصهيونية. أنتم تمسون بها. على المستوى القانوني توجد مبررات لإعادة الممتلكات اليهودية في الشيخ جراح، وفقا لـ(قانون ترتيبات القضاء والإدارة) من العام 1970”.
ملك عربي مقابل ملك يهودي
وطبقا لبن درور يميني فإنه في الظروف الناشئة لا يمكن لأي التواءات قانونية أن تقنع شخصاً جدياً واحداً بأنه يوجد مبرر لإعادة مُلك يهودي في ظل منع إعادة مُلك عربي. ويعتقد أنه من يصر على إعادة مُلك كيهودي يبرر مطالبات عرب شرقي القدس بالممتلكات التي بقيت في غربي المدينة، ولاحقا – للآخرين أيضا ممن سيطالبون بالممتلكات في يافا وفي الشيخ مؤنس.
ويحذر بن درور يميني من أن الاستيطان الكيدي هذا يدمر كل حجة لإسرائيل ضد إعادة الممتلكات و”حق العودة” للفلسطينيين منبها أنه في المدى البعيد، المستوطنة هناك تجسد رؤيا “دولة واحدة كبرى” والتي لن تكن يهودية ولن تكون ديمقراطية. ويضيف “نحن في مسرحية رعب. مجموعة صغيرة، نواة الطرف اليميني المتطرف، تملي علينا جميعا جدول أعمال. في الأيام الأخيرة تحول الممثل الصارخ في هذه المجموعة، بن غبير، إلى نجم أعلى. تكافح وسائل الإعلام في سبيل أفضاله وهو يحظى بلحظات ظهور لا تتوقف، وهو يهزنا. ويجرنا إلى مواجهة زائدة أخرى”.
المطالبة بممتلكات اليهود في الشيخ جراح تستوجب إعادة الأملاك للفلسطينيين
في تحذيراته ينبه بن درور يميني لتلاعب رئيس المعارضة الإسرائيلية بهذه القضية الحساسة: “الجولة السابقة في “إقامة مكتب” داخل الشيخ جراح في 7/5/2021 هدد نتنياهو بن غفير: “إذا لم تترك الشيخ جراح فسيطلقون الصواريخ على القدس”. بعد ثلاثة أيام من ذلك أطلقت الصواريخ على القدس. وامس، لشدة وقاحته قال نتنياهو إن هذا ليس الشيخ جراح، هذه القدس”. لا توجد حدود للازدواجية. حماس مذنبة بالعنف، ليس بن غفير. لكن مرة واحدة بن غفير سبق أن سكب الزيت على شعلة المواجهة. لا حاجة لمرة أخرى”.
عين كارم
يشار إلى أن عشرات من أهالي حي الشيخ جراح التاريخي الذي بني خارج أسوار القدس في فترة الاستعمار البريطاني هم بالأصل من أحياء القدس الغربية ومن بلدة عين كارم المدمرة على يد القوات الصهيونية في نكبة 1948 وما زالت بيتوهم هناك مسكونة من قبل مهاجرين يهود جدد قدموا من أصقاع العالم فعين كارم واحدة من القرى الفلسطينية النادرة التي بقيت بيوتها على حالها ولم تهدم ويسكنها يهود وما زال مسجدها التاريخي القائم جارا لعين الماء مغلقا.
وفي محاولة لمنع انفجار جديد في الشيخ جراح تدفع حكومة الاحتلال قوات كبيرة منذ أيام للحي وتقوم بمحاولة منع احتجاجات الفلسطينيين على زيارات واعتداءات عتاة المستوطنين بقيادة بن غفير وزمرته.