\قبل نهاية كأس العالم 2018 التي أقيمت في روسيا، نشرت وكالة “أسوشييتد برس” تقريراً مهماً عن تأثير الفوز بالمباريات الكبيرة في كرة القدم على الاقتصاد، وأشارت إلى أنه من الملاحظ أن المنتخبات التي تحقق كأس العالم تشهد في الشهر التالي حماساً فوق المتوسط الطبيعي، وزيادة في الإنتاج الاقتصادي، وهو ما ينعكس ما متوسطه 1.6% من نمو الناتج الإجمالي الوطني في اقتصادات الدول المتوجة باللقب.
لم يفز منتخبنا المغربي بكأس العالم، لكنه حقق ما يمكن وصفه بمعجزة أكبر من الفوز الفرنسي أو الأرجنتيني باللقب، فقد وصل الى نصف النهائي، ليكون أول منتخب أفريقي يفعلها، وأول منتخب عربي يكسر حاجز دور الستة عشر، ويكون نشيده الوطني خلال افتتاح مواجهة فرنسا لحظة تاريخية، فلم يسمع نشيد عربي في هذا الدور أبداً حول العالم. ومن المتوقع أن يكون لهذا الفوز المغربي كل التأثير الإيجابي على الداخل في المملكة المغربية، من رفع ثقة الأفراد بأنفسهم، وزيادة نشاطهم، وتعزيز الانتماء للمجتمع والرغبة بصنع الفارق، كما صنع حكيمي وزياش ورفاقهما الفارق على الأراضي القطرية.
خلال أكثر من بث مباشر قمت به خلال المونديال، كان أكثر من صديق يقوم بمداخلة ويقول لي: “الفوز المغربي لم يلهمنا كرويا فحسب، بل ألهمنا في كافة شؤون الحياة، بأن نثق بأنفسنا”، وأعتقد أن هذا فعلاً ما سيتم، وإن لم نستطع قياسه، وما علينا إلا تخيل طفل عمره 10 سنوات شاهد المغرب يهزم إسبانيا والبرتغال ويقف نداً لفرنسا، بالتأكيد ستزرع فيه بعض الأفكار التي تجعله مؤمناً بقدرته على فعل أي شيء، لو امتلك الإرادة الصحيحة.
وأعتقد جازماً أن المغرب المؤهل بقوة ليلعب دوراً ريادياً عالمياً في مجال السياحة، سيلحظ زيادة غير متوقعة بعدد الزوار الدوليين إلى أراضيه، فالدولة المصنفة ضمن أكثر 3 دول أفريقية من حيث عدد السياح، ارتفع اسمها في عقل الناس بعد معجزة المونديال، والفضول سيقود كثيراً منهم ليقرأ أكثر عن البلاد بشكل أكثر تعمقاً، وهناك سيكتشفون ما تملكه المغرب من مؤهلات سياحية مذهلة، وبالتالي أؤمن بأن ارتفاعاً ستشهده المغرب في هذا المجال بين 2022 و2023، فتأثير كرة القدم على قرارات البشر أكبر مما نعتقد.
وهناك نقطة أخرى سيكون لها تأثير كبير بطريقة التفكير العربي رياضياً، فالنجاح المغربي جاء بالعمل على نشاطين بالتوازي، نشاط الكشف عن المواهب ذات الأصول المغربية في أوروبا، ومسارعة الحصول على موافقتها لتمثيل البلاد، كما تحقق من نجاح مع أشرف حكيمي ورومان سايس، ونشاط تمثل بأكاديمية “محمد السادس” التي قدمت عدداً لا بأس به من النجوم لمنتخب المغرب في مونديال 2022، أبرزهم بالتأكيد يوسف النصيري وعز الدين أوناحي.
بعد نجاح “أسباير” بإيصال قطر لميداليتين ذهبيتين، وبعد نجاح أكاديمية “محمد السادس” بالمساهمة بالوصول إلى نصف النهائي في كأس العالم، فأعتقد أن التفكير بالنشء، والإيمان بأن العمل العشوائي المنتظر لخروج المواهب بالصدفة سيتوقف، وأتوقع رؤية دول، خصوصاً المقتدرة مالياً، الاقدام على مشاريع واضحة الرؤية الاستراتيجية لبدء إطلاق أكاديميات مركزية كبيرة لتخريج النجوم والمواهب.
كانت قصة المغرب جميلة من بدايتها أمام كرواتيا في دور المجموعات وحتى صافرة نهاية مواجهة فرنسا في نصف النهائي، رغم أن الأخيرة انتهت بالخسارة، فالمنتخب لعب بشجاعته الجميلة خلالها، وتجرأ على مرمى أبطال العالم، ودفعهم إلى مناطقهم، ولو كان لديه وقتها لاعب موفق أو حاسم لربما تغير اتجاه اللقاء تماماً، ولتأجل هذا المقال لأسبوع آخر، ولكان هناك درس جديد بأن من حقك في كل منافسة أن تحاول الفوز مهما كان اسم خصمك.
هذه القصة المغربية تتميز عن أي قصة تقليدية بأن لا نهاية لها، فسوف يستمر الحديث عنها عربياً لسنوات طويلة، وسوف نسمع عن تأثيرها الاجتماعي الإيجابي في المغرب باستمرار، وسوف نرى مبادرات فردية وجماعية حول العالم العربي، بحثاً عن إثبات الذات، مدفوعين بمثال عظيم شهدناه جميعاً، جعل من هذا المونديال العربي، عربياً جداً