بدا الإعلامي الجزائري حفيظ الدراجي مُندهشًا، وهو يَسمع زميلته ومواطنته خديجة بن قنة تتحدث عن جذورها المغربية، كاشفةً عن كون جدّتها من أمّها مغربية!
الحديث تضمنه فيديو انتشر أخيرًا كالحصاد في الهشيم، حيث ترددت كلمات قوية لصحافية قناة «الجزيرة»، تؤكد فيها أنه مطلوب اليوم من المؤثّرين في العالم العربي أن يركّزوا على ما يجمع بين الشعوب العربية، لا على ما يفرّق بينها.
وفُسّر الكلام من طرف الكثيرين بأنه دعوة ضمنية إلى مدّ الجسور بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، إذ ليس عبثًا أن تتحدث بن قنة عن جذورها المغربية، إشارةً إلى الدماء المشتركة التي تسري في عروق مجموعة من الأسر المغربية والجزائرية.
غير أن هذه التصريحات الإيجابية رافقتها نغمات نشاز، من قبيل ما أطلقه المغني الشاب بلال، الذي ظهر في إحدى القنوات التلفزيونية الجزائرية ضيفًا على برنامج حواري. سألته المذيعة عن الفريق الذي شجعه في «مونديال» قطر الأخير، فقال بدون تردد: فرنسا.
وأضاف أنه ما دامت الجزائر لم تصل إلى هذه البطولة العالمية، فقد اختار تشجيع فرنسا. وحيث إن الفريق القومي لهذا البلد الأوروبي واجه نظيره المغربي، فإن كلام النجم الجزائري أثار استغراب العديد من المعجبين به في المغرب، إذ كانوا يتوقعون منه أن يعلن دعمه لـ»أسود الأطلس»، لكنه مال نحو منتخب «الديوك»!
مداد كثير سال على الصفحات الافتراضية نحا باللائمة على الشاب بلال، إذ لم يستسغ المعترضون على كلامه عدم مراعاة مشاعر الجمهور العريض من عشاق أغانيه في المغرب، كما لم يستسيغوا أن يتجاهل الحفاوة الكبرى التي يُستقبل بها في مختلف المدن المغربية بمناسبة سهراته الفنية خلال المهرجانات، وأن يضرب عرض الحائط ذلك الاحتفاء البالغ الذي تخصّه به القنوات التلفزيونية المغربية وغيرها من وسائل الإعلام المحلية.
المطربة المغربية أسماء المنور، بدورها، أسهمت في نكء الجراح، فعندما سألها مذيع سعودي في برنامج تلفزيوني: لو عُرِضَ عليك إحياء حفل في الجزائر، هل ستقبلين؟ كان جوابها بالرفض القاطع: «لن أقبل»؛
مبررها في ذلك أن الجزائر رفضت يد الصلح التي مُدّت إليها من طرف المغرب. تصريح أغضب الجزائريين لا سيما في منصات التواصل الاجتماعي، فطفقوا يوجهون التقريع للمطربة المغربية، مثلما لاحظت قناة «بي بي سي» عربية في برنامجها «ترندينغ».
المطلوب من الفنانين عمومًا أن يكونوا أصحاب رسالة محبة وإخاء وسلام، وأن يجنحوا نحو ثقافة البناء لا خطابات الهدم، وأن يدعموا كل ما يوحّد، لا ما يفرق. فالفن النبيل حامل للقيم الإنسانية السامية التي لا تتغير بحسب الظروف، بينما السياسة تتكيف وفق المتغيرات والمصالح والتوازنات.
دراما رمضان
في نهاية رمضان، يُطوى النقاش الذي أثير حول عدة أعمال تلفزيونية مغربية قُدمت خلال هذا الشهر الكريم، وكان هدفها إضحاك الجمهور، فتحوّلت إلى مسخرة بكل المقاييس.
طبعًا، نحن هنا لا نعمّم، هناك فعلاً بعض الإشراقات والفلتات، لكنها قليلة جدا.
والواقع أن أزمة الأعمال الدرامية التلفزيونية المغربية تعود ـ في اعتقادنا المتواضع ـ إلى آلية الإنتاج عمومًا التي ينبغي أن يُعاد فيها النظر. بمعنى آخر، إن المنهجية التي اعتُمدت خلال العشر سنوات الأخيرة في ما يتعلق بطلب العروض وصفقات الإنتاج يتعين أن تكون محل تقييم وتقويم ومساءلة:
إلى أي مدى أسهمت في تطوير الدراما المغربية؟ هل حققت تراكمًا نوعيًّا على مستويات التأليف والإخراج والتمثيل ومختلف عناصر الصناعة الدرامية؟ وهل استطاعت كسب رضى المشاهد المغربي أمام إغراءات مختلف القنوات العربية والعالمية؟
لقد أبانت الكثير من الأعمال الدرامية (خاصة تلك التي تندرج ضمن ما يطلق عليه «السيتكوم») عن ثغرات عدة، يمكن إجمالها في نقطتين اثنتين: خلل على مستوى السيناريوهات التي تفتقر إلى عناصر التشويق والجاذبية، فنجدها تخلط بين المواقف الدرامية والمواقف الفكاهية، وتحاول افتعال «القفشات» الساخرة دون أن تفلح فيها غالبًا.
وخلل على مستوى «الكاستينغ»، الذي يتجلى في ثلاثة عناصر: أولهما إقحام بعض «المؤثّرين» الافتراضيين في التمثيل وإقصاء أهل الاختصاص، وثانيهما عدم إسناد الأدوار المناسبة للممثلات والممثلين المناسبين، وثالثها التركيز على وجوه وأسماء بحد ذاتها تتكرر في الكثير من الأعمال بشكل متزامن.
طقوس احتفالية
في ضوء أجواء شهر رمضان الكريم الذي يودّعنا، خصصت قناة «ميدي آن تي في» المغربية حلقة من برنامجها «مجتمع التحدي» لموضوع طريف هو «ثقافة الإفطار على جنبات الشاطئ بين مؤيد ومعارض لها»،
حيث استضافت معدّة ومقدمة البرنامج الإعلامية خديجة الفحيصي كُلاًّ من الباحث في علم الاجتماع سعيد بلفقيه والإعلامي مصطفى أسعد، فضلاً عن كاتب هذه السطور، فكانت الحلقة فرصة لمقاربة هذه الظاهرة التي تتعدى أفراد الأسر لتشمل الأصدقاء وزملاء العمل والدراسة.
هل يتعلق الأمر بظاهرة جديدة ساهمت في انتشارها شبكات التواصل الاجتماعي؟ ليس الأمر كذلك تماما، فهي تذكّرنا ببعض الطقوس الاحتفالية المغربية التي ليست وجبات الأكل المنقولة إلى فضاءات مفتوحة سوى ذريعة لتجسيد ما يسمى بـ»دينامية الجماعة»، حيث يجري تقاسم هذه التجارب بشكل مشترك، كما أن تكرارها يؤدي إلى توسيع دائرة انتشارها. ومن ثم يكتسي هذا العمل الجماعي طابعا إيجابيا، من منطلق الحاجة للتعاون والتآزر والتقاسم.
يذكّرنا الإفطار الجماعي على الشواطئ خلال رمضان، إذنْ، بـ»نزاهة الملحون» في نهر أبي رقراق الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا، كما يذكّرنا بجلسات الحدائق الأندلسية المسماة «جنان السبيل» في مدينة فاس، وأيضا بحدائق «العراصي» في مدينة مراكش، وبالمناظر الخلابة لمنبع أحد الأنهار الشهيرة «عيون أم الربيع» في إقليم خنيفرة، أو «تافوغالت» ضواحي مدينة بركان (شرق البلاد)، أو في غابات «المعمورة».
وللإفطار الجماعي على الشواطئ، كما أثير خلال برنامج «مجتمع التحدي»، مجموعة من الأبعاد الاجتماعية والنفسية والروحية والبيئية. فالبعد الاجتماعي يتمثل في الإحساس بالانتماء إلى الجماعة والتأكيد على التماسك الأسري ونبذ الفردانية الموجودة في العديد من المجتمعات الغربية.
أما البعد النفسي فيتمظهر في تغيير نمط الحياة اليومية وتكسير الروتين وتجديد الدماء لدى الفرد، من خلال وجوده في فضاء مشترك مغاير للمنزل وللفضاءات المغلقة عموما، خاصة بعد العزلة التي فرضها وباء «كورونا» لعامين ونيف.
في حين يتجسد البعد الروحي في الحفاظ على طقس ديني في وقت معلوم هو الإفطار الرمضاني، ردًّا على بعض دعاوى الإفطار العلني خلال وقت الصيام.
وأخيرًا، يحمل البعد البيئي تجليات الانتقال إلى بيئة مغايرة هي الشواطئ والتملي بجماليتها وبمنظر الغروب، مع الحفاظ على نظافة المكان، سواء قبل الإفطار أو بعده.
كاتب من المغرب