أكد المغرب وفرنسا، الإثنين، عزمهما على طي صفحة أزمة دبلوماسية طبعت علاقاتهما خلال الأعوام الأخيرة والسير قدما نحو إقامة شراكة “استثنائية” متجددة على أساس “الاحترام المتبادل”، بمناسبة زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه للرباط.
وذكر سيجورنيه في مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع نظيره المغربي ناصر بوريطة أن “هناك رابطا استثنائيا بين فرنسا والمغرب، والرئيس (إيمانويل ماكرون) يريد لهذا الرابط أن يظل فريدا من نوعه ويتعمق أكثر خلال الأشهر المقبلة”.
من جهته، أكد ناصر بوريطة أن علاقة البلدين “قوية”، لكنه اعتبر أنها “يجب أن تتجدد وتتطور وفق مبادئ الاحترام المتبادل والطموح والتنسيق، وعلاقات دولة لدولة”.
يعد البلدان حليفين تقليديين لكن علاقاتهما الدبلوماسية شهدت توترات قوية للغاية في السنوات الأخيرة.
تزامنت تلك التوترات مع سعي ماكرون إلى التقارب مع الجزائر، في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.
تضغط الرباط على باريس لكي تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي أعلنته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 حين اعترف بسيادة المملكة على إقليم الصحراء الغربية
في نفس الوقت تضغط الرباط على باريس لكي تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي أعلنته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 حين اعترف بسيادة المملكة على إقليم الصحراء الغربية، الإقليم المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو منذ عدة عقود مدعومة من الجزائر، في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
وقد تطرق سيجورنيه وبوريطة “مطولا” لنزاع الصحراء الغربية خلال لقائهما الإثنين.
وجدد الوزير الفرنسي دعم باريس “الواضح والمستمر” لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع.
وقال “نعرف أنه رهان وجودي بالنسبة للمغرب”، معلنا أيضا عن اقتراح باريس إقامة شراكة للثلاثين عاما المقبلة مع المغرب.
وأضاف “بإمكان المغرب أن يعول على الدعم الواضح والمستمر لفرنسا” لخطته للحكم الذاتي”.
وتابع “سبق أن قلنا ذلك وسأكرره اليوم ربما بقوة أكبر، لقد حان الوقت للتقدم، سأسهر على ذلك شخصيا”.
وأشار إلى أن فرنسا تريد “مواكبة التنمية” في المنطقة، قائلا “المغرب استثمر كثيرا في مشاريع التنمية لصالح السكان المحليين وفي ما يخص التعليم والطاقات المتجددة والسياحة والاقتصاد الأزرق (الصيد البحري)”.
يطرح المغرب التفاوض حول خطته للحكم الذاتي حلا وحيدا للنزاع، بينما تطالب جبهة البوليساريو باستفتاء لتقرير المصير. وتحث الأمم المتحدة الطرفين إلى جانب الجزائر وموريتانيا على استئناف مفاوضات، متوقفة منذ العام 2019، لإيجاد حل سياسي متوافق عليه “دون شروط مسبقة”.
يطرح المغرب التفاوض حول خطته للحكم الذاتي حلا وحيدا للنزاع، بينما تطالب جبهة البوليساريو باستفتاء لتقرير المصير.
“تجديد”
لتأكيد الدينامية الجديدة في علاقات الرباط وباريس أعلن سيجورنيه أن وزيري الاقتصاد برونو لومير والثقافة رشيدة داتي سيزوران المغرب “في الأسابيع المقبلة”.
وتحدث عن “خارطة طريق واضحة وطموحة”، معلنا عن إرادة فرنسا في “إقامة شراكة تجمع بلدينا للثلاثين عاما المقبلة”.
كذلك أعلن بوريطة عن “أهمية التحضير لمجموعة من الزيارات الوزارية المتبادلة” المرتقبة.
وأشار إلى أن الطرفين تطرقا أيضا خلال مباحثاتهما إلى “كيفية العمل بشكل منسق في القارة الإفريقية”، خاصا بالذكر “منطقة الساحل، باعتبارنا شريكين لهما مصالح متقاربة في هذه المناطق ويمكن لنا أن نشتغل كشريكين”.
وطرحت الرباط مؤخرا خطة طموحة لربط بلدان الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي، تراهن عليها لتعزيز وجودها في القارة.
ومن أبرز محطات التوتر بين البلدين في الأعوام الأخيرة قرار فرنسا في أيلول/سبتمبر 2021 بخفض عدد التأشيرات للمغاربة إلى النصف، قد قوبل بانتقادات حادة في المغرب.
في الجانب الفرنسي، أبدت السلطات امتعاضها بعدما كشف تحقيق صحافي استقصائي استهداف المغرب أرقام هواتف ماكرون ووزراء في عام 2019 ببرنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، وهي اتهامات نفتها الرباط.
كما أدت إدانة البرلمان الأوروبي في كانون الثاني/يناير 2023 لتدهور حرية الصحافة في المغرب إلى زيادة التوترات الدبلوماسية، بعدما اعتبر مسؤولون مغاربة أن فرنسا تقف وراء القرار.
لا تزال باريس عازمة على مواصلة جهودها لتحسين علاقاتها مع الجزائر، الغريم الإقليمي للمغرب
وفي أيلول/سبتمبر، نشأ جدل جديد بعدما تجاهلت الرباط عرض فرنسا تقديم المساعدة إثر الزلزال المدمر. ثم بدت العلاقات كأنها وصلت إلى طريق مسدود قبل أن يقر السفير الفرنسي في المغرب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، ويتم تعيين سفيرة مغربية في فرنسا بعد أشهر من الشغور.
ولا تزال باريس عازمة على مواصلة جهودها لتحسين علاقاتها مع الجزائر، الغريم الإقليمي للمغرب، حيث يرتقب أن تستقبل السكرتيرة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية آن ماري دوكوت الثلاثاء كل من نظيرها الجزائري ووزير الخارجية أحمد عطاف في العاصمة الجزائر.